الإثنين , نوفمبر 25 2024

عيد الحب….والسجادة الحمراء!!

 

د.ماجد عزت إسرائيل

 

في 14 فبراير من كل عام يحتفل العالم بمختلف أديانهم ومذاهبهم وطوائفهم بعيد يعرف بــــ “عيد الحب”،فإله الحب عند الأغريق كان يطلق عليه اسم” كيوبيد” ذلك الطفل الشديد الجمال المشهور بسهمه الذي يصيب به العاشقين، كان غالبا يصور كطفل صغير – قليل الحظ – في هيئة ملاك بجناحين ومعه سهم الحب. وأحيانا كان يصور أعمى كرمز علي أن الحب أعمى ولا نختار من نحب وفي الميثولوجيا الرومانية يرمز لهذا العيد إلى إبن الإلهة فينوس آلهة الحب والجمال. وأيضاً عرف باسم عيد” الفالنتاين”،ويرجع الأصل في نشأة هذا العيد إلى مهرجان رومانيّ قديم كان يقام في الخامس عشر من شهر فبراير،وكان يطلق على هذا المهرجان اسم” لوبركاليا”؛حيث كان الرومانيون يحتفلون بقدوم الربيع في هذا اليوم،ويمارسون العديد من الطقوس المقترنة بالخصوبة، بالإضافة إلى تزويج الأفراد من خلال عمل القرعة بين النساء والرجال، ثم في نهاية القرن الخامس الميلادي حوّل البابا جلاسيوس الأول الأول(492-496م) مهرجان لوبركاليا إلى عيد القديس فالنتاين،وأصبح يُقام في مثل هذا اليوم احتفالاً رومانسياً يحتفل به الناس في كل عام منذ حوالي القرن الرابع عشر.

والحقيقة التاريخية أن الاحتفال بعيد الحب يرجع إلى إحياء ذكرى القديس”فالنتاين”، الذي كان كاهنًا قديسًا في روما، وكان مع القديس ماريوس Marius وعائلته، يساعد ويشجع المعترفين والشهداء على تحمل العذابات والمعاناة، التي كانوا يقاسونها في اضطهاد الإمبراطور كلوديوس الثاني Claudius II-كان معروفًا باسم كلوديوس جوثيكوس Claudius Gothicus-. وبسبب الإمساك به وهو يقوم بتزويج الرجال والنساء المسيحيين المرتبطين ببعضهم البعض، بالإضافة إلى مساعدة المسيحيين الذين يُضطهدون في روما، حيث كانت مساعدة المسيحيون في ذات الفترة تعد جريمة يعاقب عليها القانون الروماني،ولذلك تم اعتقال فالنتاين وأُرسِله بأمر من الإمبراطور إلى حاكم روما، الذي حاول معه أن يحوله عن إيمانه المسيحي ولكنه فشل. فأمر بضربه ضربًا مبرحًا،ثم قطع رأسه في الرابع عشر من فبراير حوالي عام(270 م). ويقال أن الأسقف يوليوس الأول Julius I بنى كنيسة قرب Ponte Mole تذكارًا للقديس فالنتين، وحاليًا الجزء الأكبر من رفاته موجود في كنيسة St. Praxedes أو Santa Prassede.وهنا يجب أن نسجل أن فالنتاين منذ ذلك الوقت أصبح رمزاً للرومانسيّة والمأساة، وقد تلاشت طقوس الاحتفال بعيد الحب لفترة من الزمن،حتى استعاد شعبيته خلال فترة العصور الوسطى، ويعتقد بعض العلماء أن تطوّر الاحتفال بالحب والرومانسية يعود إلى أبداع الأدباء أمثال كل من تشوسر وشكسبير،خلاصتة أن عيد الحب أصبح يقام له احتفالاً سنوياً من خلال قيام الأفراد بالعديد من الممارسات الرمزية مثل إرسال الأزهار والشوكولاتة لمن يحبون، بالإضافة إلى إرسال البطاقات المختلفة للتعبير عن الحب؛ حيث يقدّر عدد البطاقات المتبادلة سنوياً ما يقارب من 141 مليون بطاقة، ويمكن زيادة القيمة المعنوية للبطاقات من خلال قيام الفرد بصناعتها بنفسه، ثم كتابة بعض الأمور التي تعبّر عن حبه وامتنانه عليها،كما يمكن للفرد اللجوء لتقديم الهدايا لمن يحب.وقد ارتبط هذا العيد باللون الأحمر لأنه لون الرومانية حيث يعبر عن العواطف والمشاعر والأندفاع،ويرمز لكثير من أنواع الفاكهة،وهو لون وأضح للنظر،ولقيمة هذا اللون نضعه في إشارات المرورن ويرمز إلى الدم الذي فيه الحياة.واعتقد في المسيحية هذا اللون يعبر عن “دَمُ الْمَسِيحِ، … يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَالٍ مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا اللهَ الْحَيَّ!” (عبرانيين 9: 14). هذا يعني أننا تحررنا من تقديم الذبائح “العقيمة” لننال الخلاص بل أيضاً تحررنا من الإعتماد على أعمال الجسد الميتة والتي بلا فائدة لكي نرضي الله. لأن دم المسيح قد حررنا فنحن الآن خليقة جديدة في المسيح (كورنثوس الثانية 5: 17) وبدمه تحررنا من الخطية لكي نخدم الإله الحي ونمجده ونتمتع به للأبد.

يجب علينا الآن أن نتحدث عن السجادة الحمراء أو البساط الأحمر Red carpet وهى سجادة طويلة ذات لون أحمر تستعمل في العديد من المناسبات الرسمية والبروتوكولات الدبلوماسية كاستقبال زعماء الدول وكبار الشخصيات، بالإضافة إلى الاحتفاء بتكريم النوابغ والمشاهير والرموز التي قدمت للعالم العديد من الخدمات لخدمة العامة.كما ورد أول ذكر للسجادة الحمراء في الأدب حيث ورد في ثلاثية أوريستيا التي كتبها إسخيلوس حوالي عام(458 ق.م)، تحدثت خلالها كليتيمنيسترا زوجة أجاممنون،عن وجود أرضية مطرزة باللون الأحمر امتدت على مسار زوجها الملك، بعد اكتشافها خيانته لها وخططت لقتله، واعدة إياه أن يمشي على سجادة حمراء حتى يصل إلى موته.وإشارات بعض المصادر أن البابليون هم أول من استعمل السجاد الأحمر في القرن الخامس قبل الميلاد خلال استقبالهم ملك الأغريق أجاممنون، ويرجع اختيارهم للون الأحمر كونه غالي الثمن من جهة ومن جهة أخرى تميز اللون الاحمر بجاذبيته وجماله،وفي عام 1821م فرشت السجادة الحمراء للترحيب بالرئيس الأمريكي”جيمس مونرو”(1758-1831م) خامس رئيس للولايات المتحدة الأمريكية في إحدى زياراتة الداخلية. مع مرور الزمن تطور استخدام السجادة الحمراء حيث استخدمت في هوليوود عام 1922م للترحيب بالفنانين في حفلات جوائز الأوسكار وحاليًا أصبحت موضة تستخدم للترحيب بالرؤساء والشخصيات المرموقة في المناسبات الرسمية، والمهرجانات،وفي المؤسسات الدينية وغير الدينية وفي المنازل.

على أية حال،في بعض الأحيان تكون السجادة الحمراء ذات متاعب نفسية للعامة،وهذا المشهد حدث في فبراير 2016م عندما قام السيد الرئيس “عبد الفتاح السيسي بزيارة مدينة 6 أكتوبر فأثناء افتتاحه بعض المشروعات بها فُرشت سجادة حمراء أثارت جدلًا واسعًا بين نشطاء مواقع التوصل الاجتماعي والإعلاميين والحقوقيين.وكل منهم تناول السجادة بطريقته فمنهم من تحدث على تكلفته وآخر تحدث عن طولها،وثالث تحدث عن هذه السجادة قائلاً:” “قد يراها المسئول شكليات لاتستحق، ولكن في ظل أزمة اقتصادية.. لايجب الاستهانة بها، على المسئول أن يوضح وإن لم يفعل فعلى الرئاسة”، وآخر ذكر أيضًا قائلًا: «يا ناس دي مش سجادة دا دهان أحمر بويه يعني”، ورد آخر قائلاً: “دي مكانتش حتة سجادة بمليون جنيه هتذلوا ( الراجل ) عليها، جرى إيه يا شعب؟ا أنتوا ناسيين صلاة مرسي كانت بتتكلف كام؟”.وهنا بالحق أن نقول أن الناس نسيت أن هذا الرئيس انقذ بلد من يد عصابة!،وهناك كثيرون ينتقدون البابا “تواضروس الثانى” في أثناء استقباله لضيوفه أو في بعض المؤتمرات أو اللقاءات الرسمية وغير الرسمسة، فيتركون كل ما هو إيجابى ويتحدثون عن السجادة الحمراء،وهنا نذكر جانب إيجابى على سبيل المثال ففي ظل وجود السجادة الحمراء يوم13 فبراير 2019م، خلال اجتماع أعضاء أسبوع الصلاة لأجل وحدة المسيحيين، بدير الأنبا بيشوى بوادي النطرون،وهو الاجتماع الذي ترأسه قداسة البابا تواضروس،حيث ذكر القس رفعت فكري قائلاً ” نجتمع مع بعض ونحن نؤمن بكتاب مقدس واحد لم تمسه يد التحريف نؤمن بمسيح واحد وإله واحد ونؤمن بصليب السيد المسيح وهذا الإيمان الواحد الذي يجمعنا إذا تجمعنا حواليها تغنينا عن أن لا نتحدث في هذه الخلافات.

وبمناسبة الحديث عن السجادة الحمراء،هنا أريد أن اذكر قصة ربما تكون واقعية ذكرها أحد المستشرقين الأجانب في أثناء وجوده بأحد أديرة وادي النطرون،فمن المعروف أن دير الانبا بيشوي يحتفل في شهر يوليو من كل عام بعيد القديس”الأنبا بيشوى” فيأتى الناس من كل مكان ويكون هناك زحام شديد،من أجل أخذ بركة هذا القديس،وفي أثناء ذلك أخذت أحد السيدات سجادة حمراء كبيرة ولفتها وربطها وحملته على ظهرها وأخذتها،وعندما سألها أحد المسؤلين بالدير،لماذا تأخذي هذه السجادة؟ فقالت لهم أنا أخذها بركة من القديس الأنبا بيشوي!! ومن الجدير بالذكر أن معظم السجاد والمفروشات والستائر وحتى كثير من الأيقونات في الأديرة والكنائس والمزارات يكون معظم لونها باللون الأحمر،ربما يكون إشارة لنا جميعاً حتي لاننسي دم يسوع الذي سفك على الصليب من أجلنا نحن الخطاه،كما أن هذا الدم أيضًا يحرر حيث ذكر الكتاب المقدس قائلاً: “وَلكِنْ إِنْ سَلَكْنَا فِي النُّورِ كَمَا هُوَ فِي النُّورِ، فَلَنَا شَرِكَةٌ بَعْضِنَا مَعَ بَعْضٍ، وَدَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ.” (1 يو 1: 7).وأخيراً كل سنة وكل العالم بمختلف طوائفه وألوانه سعيد بعيد الحب أو عيد القديس “فالنتاين”.صلوا لأجلي!!!

 

 

 

 

 

 

 

شاهد أيضاً

لماذا تصلي الكنيسة على المنتقلين !؟

جوزيف شهدي في الايمان  الارثوذكسي أن الكنيسة الموجودة على الارض تسمي الكنيسة المجاهدة وأن أبناءها  …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.