مختار محمود
قلوبٌ على البُعدِ نعشقُها، وقلوبٌ على القرب نكرهُها. قلوبٌ أوطانٌ، وقلوبٌ أكفانٌ. قلوبٌ حياةٌ، وقلوبٌ قبورٌ. قلوبٌ جناتُ النعيم، وقلوبٌ جهنمُ وبئسَ المصيرُ. قلوبٌ تتوطنُها السَّكينةُ، وقلوبٌ يسكنُها الشرُّ المُستطيرُ.قلوبٌ تنيرُها مصابيحُ الرحمة، وأخرى تُضيئها مشاعلُ الحقدِ. لا يستويان مثلاً. تبتسمُ الأقدارُ أحياناً فتجمعُنا بقلوبٍ دافئةٍ مُحبةٍ رحيمةٍ، فتشعرُنا كأننا ملكنا الدُّنيا بحذافيرها، وأحياناً أخرى تبتلينا بقلوبٍ باليةٍ كارهةٍ غليلةٍ، وحينئذٍ.. ندركُ أننا وقعنا فى الفخ، ودخلنا نفقاً مُظلماً لا نهاية له، وسقطنا فى قاع الجحيم سقوطاً بلا عودة.
إنما هى مُضعةٌ واحدةٌ، إنْ صلُحتْ صلح الجسدُ كلُّه، وإنْ فسدتْ فسدَ الجسدُ كله، ولكن سبحان مُقلب القلوب ومُدرك لوغاريتماتها، ومن يضعُ الخير فى قلبٍ، وينزعُه من آخرَ.
القلبُ للإنسان أشبهُ بالصندوق الأسود للطائرات، يحملُ أدقَّ التفاصيل والأسرار، قد يقضى صاحبُ القلبُ نحبَه، ولا يعرفُ بشرٌ ما يُخفيه قلبُه من خير أو شرّ.
لقد خُلقَ الإنسانُ ماكراً ومخادعاً بطبعه إلا قليلاً، فما أكثر من أوهمونا بأنهم ذوو قلوب طيبة، ولكنَّ تلك القلوبَ لم تكنْ تحملُ إلا قُبحاً وقيئاً، علمُ ذلك عند ربى.
لولا القلوبُ الشريرة، وما أكثرَها، ما عصى “إبليسُ” الأمرَ الإلهىَّ بالسجود لـ “آدم”، وما تقاتلَ ولدا “آدم”، ودفنَ أحدُهما الآخرَ من أجل امرأة، وما سكنَ الشرُّ فى الأرض واستقرَّ، وما ظهرتْ الجريمة وتعددتْ صورُها وأشكالها، وما تحققتْ نبوءة “إبليسَ” فى البشر حتى يقومَ الناسُ لربِّ العالمين، وما صار “إبليسُ” قدوةً حَسنةً لقوى الشر وصانعيه وحُماته.
ولولا القلوبُ الخيِّرةُ –على قلتها- ما وجدنا مقاومة للشر وممانعة لفرض جبروته وسيطرته المطلقة.
لا رضى اللهُ عن القاسيةِ قلوبُهم، العفنة صدورُهم، الخربة ضمائرُهم، الذين يملأون الدنيا ظلماً وجوراً وحقداً وكراهيةً ونفوراً.
وسلاماً على من جعلوا قلوبهم واحة للسلام، وصدورهم ساحة للحب، وضمائرهم موازين للعدل.
إنها “القلوبُ يا عليُّ، إذا صفتْ رأتْ بنور اللهِ”، أما إذا أظلمتْ فإنها تملأ الكون ظلماً وإظلاماً وتجعل الكونَ الواسعِ الرَّحب مثل ” سَمِّ الخياط”