ماجد سوس يكتب : أوع تقول لحد
13 يناير، 2019 مقالات واراء
بعد نكسة عام 1967 قامت مصر ببناء مطار حربي في طريق السويس وطلبت القوات المسلحة أن يكون المطار سرياً حيث كانت إسرائيل في ذاك الوقت تعتمد على زرع جواسيس داخل مصر لمعرفة تحركات الجيش وأماكن تمركزه وفي داخل المطار السري بدأ التنبيه بشدة على كل العاملين داخل المطار بضرورة الاحتفاظ بسرية المكان ولكن بدأ السر يتسرب حتى تطور الأمر بصورة مذهلة ربما ان بعض الأشخاص الذين كانوا يعملون هناك كل حكى لصاحبه أو لأحد أفراد أسرته مختتماً كلامه ” بس أوع تقول لحد ده سر” والأمر المضحك المبكي أن سائقي الميكروباسات والأتوبيسات كانوا ينادون بصوت عالي “محطة المطار السري واللي نازل” وهذا بالطبع سبب إزعاج شديد للجيش المصري.
بعدها قامت أجهزة الدولة بطلب تقديم فيلم سينمائي يناقش فكرة خطورة إفشاء الأسرار ولإيصاله للناس البسطاء كان لابد أن يقدم الفيلم بطريقة كوميدية بسيطة تستطيع أن تصل لغير المتعلمين فـتم إنتاج فيلم العتبة جزاز لفؤاد المهندس وشويكار ومعهما الفنان محمد رضا الذي أخذ دور مقاول يشارك في بناء المطار السري وبالطبع كان من سلبياته هذه الشخصية الكوميدية هو إفشاء أسرار العمل داخل المطار السري.
وخطورة إفشاء الأسرار تكمن في أنها قد تدمر بلدان وقد تدمر عائلات وأشخاص ولعل من أشهر حالات إفشاء الأسرار التي دمرت شخصية روحية عظيمة كان إفشاء شمشون سره لدليلة بحجة انه يحبها ويثق بها وهو أمر خطير كان سيدمر به شعبه أيضاً فكم من مرة نحكي أسرارنا لأقرب الناس بجة أنه يحبنا متناسيين أن الأمر لا علاقة له بالكُره أو الحب فمحبوبك أو صديقك قد يكون له محبوب آخر أو صديق آخر لنا فبدلا من أن يحفظ السر ينقله ويقول له ” ده سر أوع تقوله لحد”.
اما الآن وفي ظل العولمة فالأمر أكثر خطورة فلم يعد الأمر هو أن تجد شخصاً يكون موضعاً لثقتك تحكي له أسرارك فحسب بل تطور الأمر وأصبح كل ما تكتبه عن نفسك وأسرتك ومجتمعك وبلدك وكنيستك ومسجدك على الفيسبوكوتويتر وباقي وسائل التواصل الاجتماعي أداة خطيرة في يد الآخرين يستغلها عدوك لمعرفة معلوماتك وأسرارك الشخصية والمثال الأقرب إلى ذهني الآن هو حادث دير الأنبا صموئيل في المنيا وقد أعلن عن ميعاد الرحلة وتاريخها وأماكن تجمع الناس وميعاد التحرك فقد تكونتلك المعلومات للإرهابيين قدمت على طبق من ذهب بكل يسر وسهولة.
وكم من بيوت خربت يا عزيزي بسبب إفشاء الأسرار وكم من صديق خسرته بسبب آخر ائتمنته على أسرارك،سواء أكان هذا بحُسن نية أم بسوء وقد يستخدم السر حاقد لك قال عنه الحكيم سليمان “الساعي بالوشاية يفشي السر والأمين الروح يكتم الأمر” (أم ١١ : ١٣ ) وقال أيضاً “الساعي بالوشاية يفشي السر فلا تخالط المفتح شفتيه” (أم ٢٠ : ١٩ )
حتى في المجال الروحي ولنأخذ مثالا التوبة والاعتراف فهناك أمور عليك أن تتحدث فيها لله فقط وأمور أخرى تقصها لأب الاعترافكان يسوع يحتفظ بأسرار بينه وبين أبيه وأسرار أعلنها فقط لتلاميذه وأسرار أعلنها لشعبه وكان دائما يتحدث عن أمور قد تخفى عن البعض وتستعلن لآخرين فالحكمة يا أحبائي في كل شيء مطلوبة وقد كان ابونا القديس بيشوي كامل يرفض أن يحكي له المعترف تفاصيل الخطية فيكفي عنوانها الرئيسي والله يعرف التفاصيل.
وفي العلاقة بين الخطيبين أو في بداية الزواج دائماً أنصح الشباب في التعامل مع الآخر بكل حكمة وتعقل في إفشاء أسرار الماضي والبوح بها، حيث يبدأ كل طرف بالتحدث عن تجاربه وأمورهالسابقة مستغلاً مشاعره المتأججة في البدايات، متذرعين أن الحب يمنح تصريحاً لإفشاء أسرار الماضي ولا يعرفون أن الماضي سلاح في يد إبليس لتدمير المستقبل وأنا هنا أقسم الأسرار لثلاثة أنواع ما بينك وبين الله وما بينك وبين أب اعترافك ثم تلك التي يتوجب عليك أن تبوح بها وتعلنهاللآخر في وقتها المناسب والتي يترتب فيكتمانها تضليل الآخر وخداعه.
حتى لا أطيل عليك عزيزيالقارئ أنت مطالب بألا تبوحبأسرارك وألا تفشي أسرار الآخرين. بهذا تكون قد اكتسبت لنفسك صفات الشخصية الناضجة العميقة المحبوبة من الله والناس.فإن كنت لا تستطيع أن تتحكم في حفظ الأسرار فلا تعير أذنك لأحد ولا تتطوع لتحمل أسرار غيرك فقد تتسبب في مشكلة كبيرة يترتب عليها أموراً قد يصعب حلها او تداركها فيما بعد.
وليس هناك أي حجة مهما كانت حتى تفشي أسرار الآخرين لغيرك طالما السرلا يخص سوى صاحبه. فأسرار صديقك لا تقال لزوجتك وأسرار زوجتك لا تقال لأقرب صديق لك وأسرار عملك لا تقال لأحد.
قال لي أحدهم لقد اضطررت للبوحبسر زميلي في العمل لأني سُئلت عنه وأنا لا أنطق الكذب فاضطررت أن ابوح به. عذراً صديقي هي حجة مرفوضة شكلا وموضوعاً فعليك أن تقول لا أستطيع الإجابة عن هذا السؤال مطلقاً أو تقول أنه لا يمكن لي أن أتكلم عن أسرار أحد .
عزيزي عليك أن تدركفي النهاية عندما يخبرك أحدهم بسره فهو بهذا يمنحك ثقتهويحمِّلك مسئولية جزءاً من أعبائه الخاصة، ويشركك معه في حمل همومه وأثقاله لذاعليك ألا تجعله يتعرض إلى إحراج أو إلى أي أذى إذا قمت بإفشاء سره وابتعد عن المقولة الدارجة التي تختم بها إفشاء السر بقولك “أوع تقول لحد” وتذكر قول الشاعر، إذا المرء أفشى سره بلسانه ولام عليه غيره فهو أحمق ، وإذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه فصدْر الذي يستودع السر أضيق.