د.ماجد عزت إسرائيل
الأقباط هم الامتداد الطبيعى لقدماء المصريين، وهم شعب من شعوب البحر الأبيض المتوسط استوطنوا مصر منذ آلاف السنين، ولذا فهم السكان الأصليون للبلاد وقال عنهم المؤرخ المقريزي في نهاية العصور الوسطى بذكره ” نصارى القبط أي نصارى مصر” وعبر التاريخ شارك المسيحيين فى إدارة مصر عقب دخول الأسلام فى شتى النواحى وخاصة فى النواحى المالية لنبوغهم فى علم الحساب ومسك الدفاتر وخاصة فى عصر بناء الدولة الحديثة منذ زمن محمد على باشا أو خلال وجود الأسرة العلوية فى سدة الحكم (1805-1952م)،كما شاركوا مسيحيوا مصر مع مسلميها فى شتى الثورات والتى كان آخرها ثورتى 25 يناير 2011م و30 يونيو 2013م من أجل تحيق أحلام المصريين جميعاً وهى الدولة المدنية التى تسع الجميع دون تفرقة على أساس اللون أو الجنس أو الدين.ولكن السؤال الذى يطرح نفسه ما هو ومستقبل المسيحيين فى مصر الحبيبة؟.
مع نهاية عام 2018م نحن أمام حقيقة تاريخية وهى “قانون بناء الكنائس.. حبر على ورق” – صدر قانون بناء الكنائس في سبتمبر 2016 م،لأن كل أحداث العنف الطائفي التى تحدث فى مصر حاليًا ضد الأقباط بسبب بناء الكنائس، وعلى الرغم من أن الهدف الرئيسي من أسباب إصدار قانون بناء الكنائس هو الحد من الأحداث الطائفية التي ترتكب لهذه الأسباب، لكن منذ صدور هذا القانون وحتى الآن لم تتوقف الاعتداءات الطائفية المرتبطة ببناء الكنائس أو وجودها أو احتمال تحول أحد المباني إلى كنيسة أو ممارسة إقامة الشعائر أو الصلاة داخل مبنى تابع للكنيسة أو حتى داخل بيت أحد المسيحيين، لدرجة وصلت إلى أن الأقباط حاليًا يصلون في أماكن خاص بهم داخل خيام. ولعلاج مشكلة الطائفية أصدر الرئيس “عبد الفتاح السيسى” في 30 ديسمبر 2018م القرار رقم (602) لسنة 2018، بتشكيل لجنة مركزية تسمى “اللجنة العليا لمواجهة الأحداث الطائفية” برئاسة مستشار رئيس الجمهورية لشئون الأمن ومكافحة الإرهاب، وعضوية كل من ممثلين عن هيئة عمليات القوات المسلحة، والمخابرات الحربية، والمخابرات العامة، والرقابة الإدارية، والأمن الوطنى.
وهنا يجب أن نسجل للتاريخ بعض الحوادث الطائفية التى كان أحد أسبابها بناء الكنائس نذكر على سبيل المثال ما حدث في قرية بني منين التابعة لمركز الفشن – محافظة بني سويف ،حيث أحرق عدد من أهالي في(16 ابريل 2018م) أربعة منازل لأقباط في القرية، حسب شاهد من القرية، أضاف أن هذا يعد تجددا لاعتداءات سابقة على مبنى كنسي تقام به الصلاة ومنازل ومحال مملوكة لأقباط في القرية. أما الحادثة الثانية فوقعت في قرية الزنقة في محافظة الأقصر جنوب مصر، الخميس(23 اغسطس 2018)، حيث تجمعا مسلمي القرية أمام كنيسة العذراء مريم، وهي إحدى الكنائس التي قدمت أوراقها للجنة تقنين أوضاع الكنائس التابعة لمجلس الوزراء لتقنين أوضاعها، وقام الأمن بتفريق المواطنين المتجمهرين دون القبض على أي منهم. أما الحادثة الثالثة فحدثت فى (25 أغسطس 2018م) في عزبة سلطان التابعة لمحافظة المنيا أيضا حيث تظاهر بعض رجال القرية أمام كنيسة العزبة لمنع صلاة الأقباط، التي دخلت أوراقها ضمن لجنة تقنين الكنائس، وقد أكدت مصادر كنسية أن المبنى تملكه مطرانية المنيا وأبوقرقاص، ويحمل اسم السيدة العذراء والأنبا كاراس، وأنه ضمن الأماكن، التي ورد اسمها في قائمة الكنائس تحت التقنين ضمن لجنة تقنين الكنائس، وأدت تلك التظاهرة لإغلاق الكنيسة ومنع الصلاة بها على الرغم من مخالفة ذلك لمبادئ حرية الدين والعقيدة وقامت قوات الأمن باعتقال 3 أفراد ثم تم الإفراج عنهم في سياق التهدئة.
أما الحادثة الرابعة فهى التى حدثت في قرية دمشاو هاشم التابعة لمحافظة المنيا- ففي صباح يوم الجمعة الموافق(31 أغسطس 2018م)، روع مسيحيو القرية بهجوم من متطرفين على منازل عدد من أقباط القرية، ونهب المعتدون كمية من المشغولات الذهبية والأموال وحطموا الأجهزة المنزلية والكهربائية، وأضرموا النيران في بعض ممتلكاتهم، كما أصابوا كلامن عادل سيد رزق (54عاما)، مدرس، بجرح قطعي في فروة الرأس، وفضل عطية نجيب (45 عاما)، بجرح قطعي في الشفة العليا، وأصيب كذلك أحد رجال الإطفاء، وتمت معالجتهم داخل مستشفى المنيا العام. وعلى شاكلة هذه الأحداث قررت نيابة مركز المنيا، حبس 19 متهمًا من ذات القرية، 4 أيام على ذمة التحقيقات، لاتهامهم بإثارة الشغب والاعتداء على آخرين في أحداث التوتر الطائفي بسبب الاعتراض على بناء كنيسة. والحادثة الخامسة وقعت يوم الأحد الموافق 9 ديسمبر 2018م تم غلق كنيسة قرية كوم الراهب التابعة لمركز سمالوط، بمحافظة المنيا.
على أية حال،هناك مشهد أخر أريد أن نسجله للتاريخ وهو قتل الأقباط في مصر لهويتهم الدينية، في مايو 2017م قتل 28 من الأقباط وهم فى طريقهم لزيارة دير الأنبا صموئيل المعترف بناحية مركز مغاغة محافظة المنيا،وأيضًا في ذات المكان في 2 نوفمبر 2018م قتل ثمانية أفراد بالإضافة إلى الأصابات، في أحداث بثتها فضائيات العالم حيث تم الأعتداء على أتوبيس يقل مسيحيين كانوا عائدين من زيارة دير الأنبا صموئيل.وفى يوم الأربعاء12 ديسمبر2018م لقي قبطيان مصريان وهما عماد كمال صادق الشهير بعماد المقدس،البالغ من العمر 49 عاما،وابنه ديفيد عماد 21 عاما مصرعهما رمياً بالرصاص على يد شرطي يدعى ربيع مصطفى خليفة، حارس لكنيسة نهضة القداسة بشارع الصرافة بمحافظة المنيا، حيث كان يقومان برفع أنقاض منزل مقابل الكنيسة، في إطار عملهم في المقاولات بمدينة المنيا، وتم الترويج بإن السبب وراء ذلك يرحع لخلاف بينهما وبين حارس الكنيسة،ولذلك قام الحارس بإطلاق النار عليهما في تمام الساعة السادسة من مساء الأربعاء ليلقيا مصرعهما على الفور.
لحل مشكلة ثقافة الطائفية في مصر،لابد من معالجة الطائفية من جذورها وتطهيرها واعتقد ليس شىء مستحيل عىلى المصريين الذين قاموا ببناء الأهرامات وحفروا قناة السويس، عن طريق تعين محافظين وروساء مراكز مشهود لهم بالخبرة فى المحافظات التى وقعت بها هذه الأحداث،وزياة عدد أفراد الأمن ومساعدة القوات المسلحة في مثل هذه الأمور، وتطهير المحليات من فساد التعصب والطائفية، وتنفيذ القانون على الجميع دون تفرقه أو تميز، ولا نسمح بالجلسات العرفية لحل المشاكل الطائفية، ومنح فرص متساوية فى تولى الوظائف السيادية بالمحافظة،ومعالجة الخطاب الدينى،واستغلال الجامعات في تفعيل ثقافة تقبل الآخر، وأستغلال وسائل الأعلام بشتى أنواعها فى نشر الثقافة التى تدعو إلى نمو الشعور القومى، وتدعو إلى المحبة والسلام الذى هدفه فى النهاية بناء مصر الحديثة. أن مستقبل الاقباط في مصر يرتبطت بعلاج الطائفية من جذورها، ولو لم يتم وضع العلاج المناسب سوف يعانى أقباط مصر من المتشددين الإسلامين وهذا ما لا نتمناه لأقباط مصر ولكل شعب مصرنا الحبيبة،نريد المحبة والسلام والخير لمصر أقباطها ومسلميها.