بقلم / جرجس بشرى
كنت في حوار مؤخراً مع الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم على الواتساب ، وقلت للرجل إنني ألحظ حرباَ شعواء تستهدفك وكأنك المسئول الأوحد عن ما آل إليه الوضع المزري للتعليم في مصر !! ، فقال لي الوزير بالنص : “العمل هائل والأعداء يزدادون شراسة وكأننا نهدم نظامًا جميلاً رائعاً ونستبدله بشئ أقل جودة! لقد أنجزنا وبدأنا طريقاً طويلاً وشاقاً ، وكلنا يقين أن الشعب المصري يعلم أننا نبذل قصارى جهدنا وأن التطوير في هذا الملف وتغيير الإرث الثقيل مهمة شديدة الصعوبة” . إلى هنا انتهى اقتباسي من حديث الوزير معي ، والحق أقول وبدون مجاملة أن كلام الوزير حق ، فهو يعترف وهو رجل خبير ومحنك أن الإرث ثقيل ، فالإعتراف بفداحة بل وقبح الواقع دون تجميل يكشف عن نية صادقة للإصلاح ، فالإرث الثقيل الذي توارثناه من فساد مرعب لا يصدقع عقل ، وتدني في البنية التحتية وعوار في البنية المعرفية للمناهج ، وقصور في البنية الفكرية والأبجدية للطالب بل والمعلم معا ، وقوانين قديمة عفا عليها الزمن ، وتقهقر مرتبات المعلمين والإداريين ، وتراجع نقابة المعلمين عن دورها ، وظهور مؤسسات ومراكز للتدريب تغولت على دور بعض المؤسسات التعليمية ، لدرجة تشعرك بأن التدريب في مجال التعليم اصبح سبوبة ، وللأسف أصبحت الأكاديمية المهنية للمعلمين تغرد في سرب هذه المؤسسات ، واصبح التدريب هدفه حصول المتدرب على ورقة مختومة للترقي دون أن يستفيد أي شيء ، ودون أن يطبق المتدرب بعضا مما اخذه على أرض الواقع ، لأن الحالة المزرية والواقع الكارثي الذي آل إليه حال التعليم يقف حجر عثرة أمام التطبيق !!! ولكن السؤال هنا : هل في ظل هذه الكوميديا السوداء والواقع الكارثي المرعب ستظل الدولة المصرية أسيرة لهذا الواقع ، وهل وسيظل المنوط بهم مسئولية تطوير التعليم عبيدا يبخرون ويسجدون لأصنام الجمود والقولبة والتقاليد البالية والقيل والقال بحجة تدهور واقع التعليم وارتفاع كثافات الفصول ، و أن البنية الرقمية والتحتية غير مؤهلة و.. و.. !!!؟
هل مطلوب من الوزير والدولة خاصة وأن مشروع التطوير هو مشروع دولة ، أن يستسلموا للواقع ويضعون أيديهم في المياة الباردة ويرفعون راية الإستسلام بحجة أن الواقع كارثي أم من الأجدى بهم أن لا يستسلموا للواقع ويقتحمونه ويكسرون تابوهاته وأصنامه وقوالبه الجامدة الجائرة وأعرافه وتقاليده المحبطة للعزائم ؟ فلقد علمنا التاريخ أن أفضل الأوقات وأنسبها للتغيير وصناعة القرارات المصيرية هي تلك القرارات التي تأخذها الشعوب والحكومات والأفراد عندما تبدو الظروف محبطة و أكثر تعقيدا ويبدو أنه لا حل ولا أمل في التغيير ، فلو استسلم المصريون لجماعة الإخوان الإرهابية بحجة أنهم حكموا واستحكموا في نخاع مفاصل الدولة ولن يخرجوا من الحكم إلا بالدم ما كانوا قد خرجوا ضدهم وثاروا عليهم ، وما كانت ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ المجيدة على الإطلاق ، وإن استسلمت اليابان للواقع بعد رميها بالقنابل الذرية التي سوتها بالأرض ما كانت وصلت لهذا التقدم العجيب وأصبحت في مصاف الدولة الكبرى المتقدمة ، ولو استسلم المصريون بعد هزيمة ١٩٦٧ وسلموا أنفسهم لاكبر عدو في التاريخ وهو ” اليأس ” ما كان لنصر اكتوبر المجيد أن يتحقق ، بعد سلسلة دعايات نفسية وشائعات ممنهجة من العدو الإسرائيلي تستهدف احباط نفسية الشعب والجيش المصري عن الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر ، وبعد أن أشاع العدو عبر أبواقه أنه مستحيل أن يتحقق النصر ، ولكن إرادة الشعب المصري حققت المستحيل وحطمت الأسطورة بل وداستها بالأقدام بقوة إرادتها الجمعية والثقة المطلقة بلا حدود في تحقيق النصر .. فالتاريخ علمنا وعلم العالم قاطبة أنه لا إرادة تعلو على إرادة المصريين ، وبالتالي لو استسلمت الدولة المصرية ووزير التعليم للواقع المزري والإرث الثقيل الذي آل إليه حال التعليم والمدارس والمدرس بل والطالب فلن نخطو خطوة واحدة في مسار التطوير والتغيير ، بل سنتراجع كل يوم ، ولكن إصرار الدولة والوزير وبعض القيادات الوطنية المعاونة له على التغيير والتطوير لتحقيق هذا الحلم وسط هذا المناخ المحبط ووسط نباح بعض المنابر المثبطة للهمم وحرب الشائعات هو في حد ذاته معجزة !!! ، ولكني هنا أشير على الدكتور طارق شوقي أن يسارع هو وبعض القيادات الكفء والوطنية والنزيهة من فريقه المعاون في ملاحقة بعض البؤر الإجرامية الفاسدة في الوزارة نفسها وسائر المديريات والإدارات التعليمية على مستوى الجمهورية خاصة تلك البؤر والتحالفات والعصابات التي تحرس مخالفات الفاسدين وتتغول على هيبة الدولة وتمنع التحقيقات في قضايا فساد ومخالفات تمس تحالفاتهم وتربيطاتهم المرعبة والإعلان للرأي العام بكل شفافية عن جرائمهم بعد إقالتهم وهذا ليس عيبا لأن جزاء الفاسد فضحه وتعريته ليستريح الرأي العام ويدرك أنه هناك محاسبة ومساءلة ، كما اطالب الوزير بإعادة هيكلة نقابة المعلمين ومراجعة دورها والقائمين عليها ومؤهلاتهم وتاريخهم ، وكذلك الأكاديمية المهنية للمعلمين ، واستعادة دور إدارات التدريب المهني بالمديريات والإدارات التعليمية ، ووضع نظام رقابي محكم على على هيئة الأبنية التعليمية التي يجب أن تكون خاضعة من الآن للقوات المسلحة المصرية ، ومناهضة الأخونة في الوزارة ، خاصة وأنه غير خاف على احد أن هناك ما هو اشبه بمكاتب إرشاد خفية في وزارة التعليم ولا زال بعض رجال المرشد وعدلي القزاز متواجدون بقوة ، ويجب على الوزير بالتعاون مع اجهزة الدولة الرقابية أن يضعوا خطة مكتملة لمحاصرة الفساد المرعب في المسابقات والتعيينات والتكليفات التي تتم غالبها بالتزبيط والفساد من الألف إلى الياء .. فكم من مسابقات وهمية تتم لتمكين الفاسدين والمخالفين ومن عليهم محاكمات تأديبية وجزاءات وتددوير هؤلاء الفاسدين إرضاء لمسئول فاسد ، أو انصياعا لتهديد برلماني مرتزق أو .. أو .. ، ، كما أن تطوير التعليم لا يمكن أن يتم إلا بوضع خطة سريعة وتيرتها لتأمين المعلم واستقراره ماديا ونفسيا وأدبيا ، فمن المهازل ونحن نتكلم عن مشروع التطوير أن يذوق المعلم الأمرين لكي ينقل من محافظة إلى محافظة أو يجدد انتدابه من محافظة إلى محافظة تحت حجج ومبررات وقوانين بالية عفا عليه الزمن ، وأطالب الدكتور طارق شوقي شخصيا أن يضع خطة مدروسة لمحاصرة الفساد في المشتريات والمناقصات والصفقات التي تتم بالأمر المباشر خاصة الفساد المرعب في مناقصات الأنشطة كالنشاط الموسبقي والرياضي والفني مثلا وغيره ، ووقف نزيف وإهدار المال العام في هذه الصفقات ، وهناك نقطة غاية في الأهمية وهي وضع خطة ورؤية لدور المكتب الإعلامي بالوزارة ، خاصة وأنني علمت من الوزير طارق شوقي شخصيا أن الوزارة تعكف على تطوير المكتب الإعلامي ووضع رؤية جديدة له ، وقد سعدت مؤخرا بوجود المهندس أحمد صابر سليم على رأس المكتب الإعلامي بالوزارة وهو شخصية وطنية لا غبار عليها ومن المساندين بقوة للدولة الوطنية وثورة ٣٠ يونيو ؛ فدور المكتب الإعلامي يجب لوزارة التربية والتعليم يجب وبالضرورة أن يكون نموذجا تحتذي به كل الوزارات في مصر ، عبر انتهاج آليات مبتكرة وجادة من أهمها ابلاغ ومخاطبة الرأي العام اولا بأول عما تقوم به الوزارة ، وسرعة الرد على الشائعات ودحرها في مهدها ، وأن تكون هناك آلية تفاعلية مزدوجة بين الجمهور والمكتب الإعلامي واقترح هنا دراسة وجود برنامج يومي أو فيديو او نشرة يومية للمكتب الإعلامي لوزارة التعليم على موقع الوزارة يتم الرد فيه على كل ما اثير وتم رصده خلال اليوم من انجازات للوزارة او ما اثير من وقائع فساد في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي ومكتب شكاوى المواطنين خلال اليوم وما اتخذ من إجراءات حاسمة بشأنها لطمأنة الرأي العام والمتضررين أن هناك مكتب إعلامي للوزارة لا يعمل فقط بإسلوب رد الفعل بل بإسلوب الفعل ، وكلي ثقة في أن المكتب الإعلامي للوزارة سيبهرنا جميعا بافكاره الخلاقة ، وانني هنا ما زلت أثمن دور الأستاذة إلهام احمد إبراهيم مديرة الإدارة المركزية للمتابعة وتقويم الأداء في الوزارة ، ودورها في تبني استراتيجية مكافحة الفساد والتطهير بالوزارة هي وفريقها المختار بعناية فائقة في الإدارة لإنجاح منظومة التطوير وملاحقة ومتابعة البؤر الفاسدة في المديريات والإدرات التعليمية ، كما أنه من الإنصاف أن نشيد بدور مكتب رئيس قطاع مكتب الوزير والإدارة القانونية بالوزارة ومعاون الوزير لشئون المعلمين د. محمد عمر وغيرهم من الشرفاء في التفاعل مع الشكاوى المقدمة من العاملين والإداريين واتخاذ اجراءات سريعة وحاسمة بصددها وملاحقة كل المتورطين في مخالفات وفساد مالي وإداري لكي يطمئن ويثق كل مظلوم في الدولة ويؤمن أن هناك قيادات وطنية لا تتركه فريسة للتنكيل والإقصاء والقهر والفساد في الوزارة ، وكي لا يلجأ المظلومين للإعلام وهذا حقهم القانوني والدستوري إذا سدت امامهم كل نافذة أمل كما كان يحدث في ظل العقود السابقة.
الوسومجرجس بشرى
شاهد أيضاً
جورج البهجوري بنكهة وطن !!
بقلم عبدالواحد محمد روائي عربي فنان تشكيلي كبير عاصر كل نجوم الثقافة العربية محيطا وخليجا …