سنوات عجاف يابسات قاسيات مرت علي مصر منذ ثورة يناير 2011، واجهت مصر خلالها الكثير من العقبات والاضطرابات والأزمات السياسية والاقتصادية والامنية، وقد تسببت تلك الاضطرابات في تدهور كافة قطاعات الدولة، حيث انخفض احتياطي النقد خلال هذه الفترة ليصل إلي 13.6 مليار دولار في يناير 2013، وتراجعت السياحة والصادرات والاستثمارات الأجنبية وانهارت البورصة، وقد استطاعت الإدارة المصرية اتخاذ خطوات صارمة لإعادة هيكلة الاقتصاد بكافة قطاعاته، واتخاذ العديد من القرارات الاقتصادية الصعبة بالرغم من آثارها السلبية على الأوضاع الاجتماعية بهدف اخراج مصر من ازمتها وتجاوز هذه المرحلة.
كان هناك اختلاف في وجهات نظر البعض حول بعض القرارات والاجراءات التي اتخذتها الإدارة المصرية وكذلك اولويات الانفاق خلال المرحلة السابقة، الا ان الإجراءات التي تم اتخاذها قد حققت أهدافها بنسبة كبيرة، وهناك نتائج ملموسة وواضحة وتقدم في كثير من قطاعات الدولة، ونشير فيما يلي الي بعض المؤشرات والنتائج التي تحققت خلال الفترة الماضية.
الوضع الاقتصادي.
ارتفع معدل النمو الاقتصادي من 1.5% عام 2013 / 2014 ليصل حاليا إلى 5.3%، إضافة إلى تراجع معدل التضخم من 33% إلى 17%، ومن المتوقع استمرار الانخفاض ليصل إلى 11%، وتوقعت وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني العالمي، تسارع معدل نمو الاقتصاد المصري خلال الفترة القادمة حتى عام 2021، كما توقعت الوكالة تراجع نسبة عجز الموازنة ليصل الي 8.5% خلال العام المالي 2018 / 2019 مقابل 10% خلال العام المالي 2017 / 2018.
احتياطي النقد الأجنبي.
بلغ حجم أرصدة الاحتياطي من النقد الأجنبي 42.5 مليار دولار بنهاية فبراير 2018، بارتفاع قدره 4.3 مليار دولار عن نهاية يناير 2018، وترجع الزيادة إلي تلقى حصيلة السندات الدولية التي تم طرحتها بالأسواق العالمية فبراير الماضي بقيمة 4 مليارات دولار.
السياحة.
قفزت إيرادات السياحة بنسبة 123.5% إلى نحو 7.6 مليار دولار في عام 2017، مع زيادة في عدد السياح الوافدين إلى البلاد بواقع 53.7% لتصل إلى 8.3 مليون سائح، ويرجع ذلك إلى زيادة الحركة السياحية في النصف الثاني من عام 2017 حيث وصل عدد السائحين خلاله إلى 4.7 مليون سائح. ويعد قطاع السياحة ركيزة أساسية للاقتصاد المصري وموردا رئيسيا للنقد الأجنبي، لكنه تضرر بشدة جراء سنوات الاضطراب السياسي والأمني عقب ثورة 25 يناير 2011.
الغاز الطبيعي.
تم افتتاح مرحلة الإنتاج المبكر في حقل “ظهر” للغاز الطبيعي الذي يعد الأكبر من نوعه في البحر المتوسط، وقد يصبح أحد أكبر اكتشافات الغاز في العالم بحسب شركة الطاقة الإيطالية “ايني” ويقدر احتياطات الغاز في الحقل بحوالي 30 تريليون قدم مكعب وبما يعادل 5,5 مليار برميل زيت مكافئ.
الطرق والكباري.
بلغت استثمارات الطرق والكباري التي تم تنفيذها خلال الفترة من 2014 – 2017 حوالي 22.5 مليار جنيه، تضمنت 10 طرق بالمشروع القومي للطرق، وتطوير 2000 كم من شبكة الطرق الحالية، وإنشاء 4 محاور على النيل، وإنشاء 18 كوبري علوي، كما يبلغ إجمالي استثمارات الطرق والكباري الجاري تنفيذها حالياً 32.9 مليار جنيه، وتتضمن 8 طرق بالمشروع القومي للطرق، وتطوير شبكة الطرق الحالية، وتنفيذ 8 محاور على النيل، وتنفيذ 10 كباري علوية، وبذلك يكون إجمالي الاستثمارات في الطرق والكباري 55.4 مليار جنيه.
القوة العسكرية.
تقدم الجيش المصري إلي المركز العاشر عالميا في تصنيف موقع “جلوبال فاير باور” الأمريكي لأقوى 10 جيوش في العالم لعام 2017، ولازال يحتل المرتبة الأولى عربيا وأفريقيا.
الاستزراع السمكي.
تم إنشاء الشركة الوطنية للثروة السمكية والأحياء المائية، وهي أحد أبرز الكيانات الوطنية التي أنشئت حديثا بهدف تنمية الثروة السمكية في مصر وسد الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك من خلال تنفيذ العديد من مشروعات الاستزراع السمكي، ومن أهم هذه المشروعات إنشاء المدينة السمكية الصناعية (غليون) بكفر الشيخ والتي تقام على مساحة 12 ألف فدان تقريباً، وتضم المدينة السمكية الصناعية أكبر مصنع تجهيز الأسماك في الشرق الأوسط، وقد تم افتتاح المرحلة الأولي للمشروع على مساحة حوالي 4000 فدان وبتكلفة 1.7 مليار جنيه.
سعر الصرف.
وفقاً لأسعار الصرف الرسمية التي تعلنها البنوك فقد جاء أعلى سعر صرف للدولار مقابل الجنيه المصري اليوم عند 17.58 جنيه للشراء، فيما كان أقل سعر للبيع عند مستوى 17.64 جنيه، وبما يعني تماسك الجنيه المصري مقابل الدولار، ويرجع هذا التماسك إلي ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي، وكذلك نمو إيرادات السياحة المصرية، كما ارتفعت صادرات مصر إلى الخارج بنسبة 15.1% خلال أول 9 أشهر من العام الجاري، حيث وصلت إلى 17.1 مليار دولار مقابل 14.8 مليار دولار في الفترة نفسها من العام الماضي، وارتفعت استثمارات الأجانب في أذون وسندات الخزانة المصرية إلى نحو 23 مليار دولار منذ تعويم الجنيه مقابل الدولار وتحرير سوق الصرف في نوفمبر 2016 وحتى الآن، وقد توقعت شركة “فاروس” للأبحاث أن يصل متوسط سعر الدولار أمام الجنيه المصري إلي مستوى 17.30 جنيه خلال عام 2018 ، بدعم موقف الدين الخارجي للبلاد وذكرت أن ارتفاع الاحتياطي الأجنبي لمصر، يعزز موقف ديونها الخارجية، ويدعم الجنيه المصري مقابل الدولار.
اعتقد ان عام 2017 كان نهاية للسنوات العجاف، وادعو الله ان يكون عام 2018 هو عام الامل وجني الثمار، نحتاج الي مزيد من الجهد والصبر فنحن الان على بداية الطريق، لا يزال امامنا الكثير، فلابد من استكمال برنامج الإصلاح الاقتصادي، وإصلاح منظومة التعليم، وتطوير الخدمات الصحية، ومواجهة انفلات الأسعار ورقابة الأسواق، والإصلاح الإداري ومحاربة الفساد، واستكمال المشروعات الاقتصادية العملاقة، وهذا يتطلب العمل بإخلاص وصبر ودعم للإدارة المصرية لاستكمال هذه الخطوات حتي يكون عام 2018 بإذن الله هو العام الذي فيه يغاث الناس وفيه يعصرون.
د. مجدي الجعبري