الثائر
17 يناير، 2018 مقالات واراء
لعن الله الجهل والجهلاء… ارتفع صوته وهو جالس بين اصدقائه وقد اشتعلت ثورة الغضب بداخله وانطلقت لتنتقل الى نفوس من حوله كلما ازداد سعير كلماته الناقمة على كل شىء حوله.
لم يتعد الخامسة والثلاثين لكنه يشعر بمشيب شعره بل وايضاً مشيب قلبه ، يشعر انه تجاوز السبعين وانه تقاعد منذ زمن وهو الذى لم يكمل عاماً واحداً فى الوظيفة التى يشغلها والتى تبتعد جملة وتفصيلاً عن مجال تخصصه.
ارتفع صوته مرة اخرى وهو يلعن الجهل والجهلاء اللذان اوصلا البلد الى هذا الحال، اشار اليه احد اصحابه بأن يخفض من صوته فقد يعتقد احد مرتادى المقهى انه يقصده فيحدث ما لا يُحمد عقباه…لكنه لا يهتم وفى الحقيقة ان كلماته اللاعنة بالفعل كانت تقصد كل الجالسين على المقهى بل ومعظم ابناء المدينة الذين رآهم سبباً مباشراً للحالة المتردية التى تعانيها المدينة…فهؤلاء بجهلهم يصنعون ديكتاتوراً، ما اسهل ان تدغدغ مشاعرهم كلمات معسولة فينطلقوا هاتفين بحياة رئيسهم الذى احبهم فأحبوه..ويظلون هكذا يتغزلون فى رئيسهم المحبوب
وهم يتناولون جرعة المخدر اليومية بكلماته الحانية الى ان يطولهم الجوع فيبدأون فى الشكوى لبعضهم البعض ولا يرتفع صوتهم ابداً ضد رئيسهم المحبوب حتى يأتى اليوم الذى يهتف فيه واحد ضد الرئيس فيرددون الهتاف على استحياء بعدها ترتفع حناجرهم بالهتاف ضد الرئيس المحبوب الذى تحول الى ديكتاتور فاسد. لكن الحناجر التى اعتادت الهتاف تهتف بحياة الرئيس الجديد الذى نفتديه بارواحنا وتبدأ فى صناعة ديكتاتور جديد…وهكذا نحن خبراء فى صناعة الديكتاتور.
نظر حوله فى تأفف وتساءل متى سيتعلم هؤلاء؟ ارتفع صوته مرة اخرى
وهو يعلن رفضه لكل مرشحى الرئاسة ثم اعلن سخطه على ابناء المدينة الاغبياء الذين يحبون مرشحاً ويمنحونه الفرصة لان يعتلى كرسى الرئاسة لمجرد انه اعلن تقواه وادى فرائض الدين والعقيدة امام ابناء المدينة…ثم يكتشفوا فساده فيثورون عليه. ثم يأتون بآخر ويرفعون قامته الى عنان السماء لعذوبة كلماته وحنو صوته فيريدونه رئيساً ليصنعوا منه ديكتاتوراً جديداً. وماذا تريد انت؟ جاء التساؤل من احد اركان المقهى، التفتت عيناه ومعها اعين رفاقه نحو مصدر الصوت…
ابتسم بجانب شفتيه عندما وقعت عيناه على صاحب السؤال الذى كان يرتدى جلباباً بالياً وينتعل مركوباً صعب ان تتبين لونه الاصلى بينما دخان الشيشة يخرج بكثافة من فمه وانفه…
رد فى هدوء لا يخلو من الحماس…لا اريد ان يكون رئيسنا الجديد ذو خلفية عسكرية امضى عمره يأمر ويأتمر، هذه الخلفية العسكرية لن تجعله يقبل النقد ولا الرأى الآخر بل قد يعتبر صاحب الرأى المخالف له خائناً نظر الرجل نحوه وهو يسحب نفساً جديداً من شيشته وقال الم يكن ايزنهاور احد اعظم الرؤساء الذين حكموا امريكا رجلاً عسكرياً؟
صمت الشاب الثائر برهة فلم يتوقع ان الرجل صاحب الثياب الرثة سمع يوم ما عن ايزنهاور لكنه اكمل كلامه الذى بدا وكأنه يحفظه تماماً …لا مجال للمقارنة يا سيدى لا يمكن ان تقارن دولة عظمى مثل امريكا تحكمها قوانين ومؤسسات راسخة ببلدنا المسكين التى تُشرع فيها القوانين كل يوم وتظل حبيسة الادراج غير مُطبقة ثم اين هى مؤسسات الدولة التى ان وجدت فهى مترهلة. سأله الرجل ثانياً حسناً فلتقل لى ماذا تريد انت؟
اجاب الشاب لا اريد رئيساً ذو خلفية عسكرية ولا اريد رئيساً ذو خلفية دينية يظن نفسه نبياً يوحى له. ثم اضاف لا اريد رئيساً له انتماء او شبهة انتماء لاى نظام سابق حكم البلاد من قبل ولا اريد ان يكون رئيسنا منتمياً لاى من الاحزاب القائمة بل ولا اريده ان يكون حزباً خاصاً به فالاصل ان يكون رئيساً للجميع لا لابناء حزبه ولا لابناء طائفته.
هز الرجل رأسه وشفتاه تسحبان من الشيشة ما تبقى من انفاس بينما ظلت عيناه ترقبان الفحم وهو يتوهج…
هز رأسه متحسراً ثم نظر الى الشاب مبتسماً فى الوقت الذى ارتسمت على وجه الشاب ابتسامة منتشية وقد اسعده انه انهى الحوار بكلمات حازمة افحمت كل من سمعها….تقدم الرجل نحو الشاب وضع يده على كتفه ثم قال له “انا لم انل قسطاً من التعليم مثلما نلت انت لكنى ايضاً كنت ثائر مثلك وقد اكتشفت بعد سنوات طوال انه ما اسهل ان تعلن ثورتك وانت جالس فى المقهى…
لقد سألتك مرتين عما تريد، سألتك فى وضوح وماذا تريد انت وفى كلتا المرتين اجبتنى وافدتنى بما لا تريد لقد اعلنت فى كل مجلس انك ترفض هذا ولا تريد ذاك لكنك حتى اللحظة لم تقل ماذا تريد واخشى انك لا تعرف ما تريد.