إنها المهنه الساميه و التي لها وجه أخر بعيد تماماً عن السمو ، وجهٌ قاتل لمن يعمل بها ، هذا الوجه لا يراه المرضي ولا يشعرون به حتي أن الكثير منهم علي قناعه بأن الطبيب قلما يمرض أو يصبه أذي كما لو كان نجاراً غير مقبول أن يترك باباً في بيته مكسوراً و هو القادر علي اصلاح أبواب الأخرين المكسوره ! . فيتخيل البعض أن الطبيب حينما يمرض فإنه يجد الدواء و التشخيص بسهوله دون معاناه .
وهنا سأتحدث عن الجانب المظلم لهذه المهنه الساميه حقاً ، الإنسانيه دون أدني شك ،والتي تستحق تقدير الدنيا ، وهو مالا يحدث في بلدنا الحبيب مصر و التي تعتمد فيها المؤسسات الطبيه المجانيه الناجحه علي المعونات والشحاته دون وجود دور يذكر لما يسمي وزارة صحه مصريه و كأنها تقول لمن لا يستطيع مادياً ولم يستطع الحصول علي مكان في هذه المؤسسات عليك الإختيار إما الموت السريع أو ألا تمرض من الأساس !.
و كطبيب عنايه مركزه و هو تخصص خطير و حساس يعاني الأمرين ففي حالة ضعف الامكانات وهو الواقع المرير في بلادنا ، تجد هذا الطبيب عرضه لكل أنواع العدوي ، وكم من طبيب لقي ربه جراء عدوي قاتله أودت بحياته لأسبابٍ أولها نصيبه و قدره الذي قدره له رب العباد و لكن من أهمها اختفاء أبسط وسائل الوقايه من العدوي .
فحياة الأطباء عامةً و أطباء العنايه المركزه خاصةً كافيه تماماً لدخولهم في حالات اكتئاب حاده و شديده حتي أني شخصياً كثيراً ما أسأل نفسي عن كيفيه وفاتي هل ستكون جراء عدوي قاتله أم حادث سير عنيف أم بسبب مرض من الأمراض العصيه من فشل كلوي أو قلبي أو كبدي أو من الأورام وكل الحالات التي نعايشها و نحاول التعايش معها يومياً.
ولكن الأشد أن تتعامل مع حالات معديه قاتله و أن تصاب أنت ومن يعمل معك من الطاقم الطبي بعدوي مماثله و تظل أياماً و ليالي في رعبٍ و خوف من أن تكون العدوي نفسها التي يعاني منها مرضاك !. وكيف لك أن تعيش لحظات الرعب و أنت تعيش في بيتك وسط أسرتك خوفاً من انتقال مثل هذه العدوي لأفراد أسرتك ؟ و لك عزيزي القارئ أن تتخيل كيف يقيم هذاالطبيب في بيته بمحاوله عزل نفسه بعيداً عنه أسرته خوفاً عليهم من مثل هذه الأمراض المعديه القاتله في بعض الأحيان وكيف هو شعوره و هو يشاهد أحد أفراد أسرته و هو يعاني أحد الأعراض لمثل هذه الأمراض حتي و إن لم تكن هي السبب من الأساس.
حياه صعبه يشوبها القلق والخوف و الكثير من اليأس و التشاؤم وأنت تتعامل مع حالات حرجه منها بل أكثرها ماهو بين الحياة و الموت، حياه لا يتحملها أغلب البشر بل قد لا يتحملها الكثير من أطباء التخصصات الأخري .و مع هذا كله لا تجد أدني اهتمام بهذه الفئه المطحونه عملاً لا مادياً ولا معنوياً و لتجدن بعض الأقلام الصحفيه الجاهله و بعض الأصوات الإعلاميه العنتريه كل همها مهاجمة الأطباء و مهنتهم دون النظر للأوضاع التي يعملون بها و يعيشون فيها ، و كذلك الكثير من محامين التعويضات و السبوبه من يسعون خلف المرضي لتصيد الأخطاء في بلد ليس به قانون مهني يعاقب ويفرق بين الأعراض الجانبيه و الأخطاء الطبيه ولا بين الخطأ عن عمد أو خطأ نتج عن اهمال أو خطأ وارد و معلوم في جميع كتب الطب .
هذه هي حياة الأطباء بين الدماء ورائحتها ، و بين الأمراض المعديه القاتله ومخاطرها ، يعانون من عناء العمل فلا هم ينامون بإنتظام كالبشر بل و يسهرون بلا رحمه ، ولا هم يعطون أهليهم و ذويهم حقوقهم ، وهم يقطعون أرحامهم جبراً بل و في كثيرٍ من الأحيان لا يستطيعون أخذ بعض الراحه في أوقات مرضهم ، نومهم مباح قطعه للمرضي و حياتهم مخترقه دائماً بالإستشارات و كيف لا فإما أن تكون متاحاً و دائماً ً للمرضي لتكون ملاك رحمه أو أن تختفي للحظات أو سويعات قليله فتصبح هذا اللاإنسان الجزار القاتل !!.
ومع كل هذا تجدن الطبيب المصري الأقل دخلاً في العالم كله بل أقل من نظيره في الدول المعدومه و الأكثر فقراً و أقل استقراراً و مع ذلك يحاكم لأنه يحاول العمل بأقل الإمكانيات و لو فكر العمل كما تقول الكتب و النظم الطبيه لوجد نفسه ممتنعاً عن العمل تماماً فلا هناك بيئه مناسبه مادياً ولا حمايه قانونيه.
يا كل مسئول في القطاع الصحي ، حافظوا علي الطبيب و وفروا له الجو المناسب من حياه كريمه و أدويه و أجهزه حديثه و ساعدوا في تأهيلهم علمياً بمنح تعليميه و وفروا لهم الغطاء القانوني المهني و بعدها حاسبوه غير هذا ستظل الأحلام والخطط المزعومه مجرد أحبار علي ورق ولن نشهد أي تقدم في الجانب الصحي لشعب مصر العظيم الذي يستحق أكثر مما فيه كثيراً .
الكاتب إيهـــاب أبورحـــمه