لم يكن نمو الزهرة وتفتحها بالأمر الغريب فى هذا الوقت من العام، بل كان الأمر العجيب والمثير للدهشة هو المكان الذى نمت فيه والذى لم يكن بستانأ أو حوضاً للزهور…
فقد نمت تلك الزهرة فى أحد أركان الطريق وفوق أرضية من الأسفلت !!!!! كان بالفعل أمراً عجيباً جعل كل من يمر من هذا الطريق ينظر اليها قليلاً ويهز رأسه قائلاً ” سُبحان الله ” ثم يمضى بعدما يشعر بأن الزهرة أيضاً تنظر اليه بنفس القدر من الدهشة والتعجب ولكن دون أن تتكلم !!!!.
تمر الأيام يوماً بعد يوم ويعتاد الناس على وجود الزهرة بينهم، وكلما تعمق الربيع كلما تألقت الزهرة فى حُسنها وكان يزيدها جمالاً وحياة انعكاس أشعة الشمس الذهبية عليها. راقت الزهرة فى أعين الجميع، وتمنى الكثيرون إمتلاكها فحاول أحدهم أن يستأثر بها فاقترب منها وتلفت حوله فلم يجد أحداً يراه….فإنحنى قليلاً ومد يده ليقطف الزهرة الجميلة، واذا بيد خشنة قوية تمسك بمعصمه بقوة أخرجت أنة ألم من أعماقه…
رفع عينيه ليرى صاحب اليد الغليظة، فوجده شخصاً غريباً لا يعرفه بل ومن المؤكد أنه لا يقطن قريباً من هنا،أرخى الغريب أصابعه الغليظة فتحررت يد الرجل من قبضته بينما ظل الغريب على ابتسامته الهادئة الحازمة والتى فهم منها الرجل بل والجميع أنه ما من أحد سيقوى على قطف الزهرة والإستئثار بها طالما الغريب هناك يتصدى بقوة لمن يحاول قطف الزهرة الجميلة. حاول كثيرون وإكتفى آخرون بالحلم الذى تحطم على يد الغريب…
وفى النهاية أحب الجميع الزهرة وبنفس القدر نال الغريب كل مشاعر الكراهية. أما هو- الغريب – فلم يكترث كثيراً بما يجرى حوله وإنكب يصنع للزهرة عالمها الذى يمنحها الحياة….
أحاطها بخُضرة جميلة زرعها بجهده وعرقه فأضفى سحراً وجمالاً على المكان، ثم أحاطها بسياج خشبى دهنه بلون أبيض نقى مُراعياً الا يرتفع هذا السياج لئلا يحجب عنها الشمس والهواء وأوصل بسلك رفيع سراجاً مُضيئاً ينير ليلها الحالم إذا ما غاب عنه القمر. صار مشهداً مُعتاداً أن ترى الغريب وقد إصطحب أُسرته الصغيرة مُفترشاً الأرض فى البستان الذى صنعه بيديه مُتنسماً عبيرها…مُتمتعاً بمشاهدتها وهو الذى لم يحاول يوماً تملكها. وإنتهى الربيع ورحل لكن الغريب لم يرحل، وأتى الصيف بلهيبه والغريب لم يرحل، وأقبل الشتاء برياحه وأمطاره وظل الغريب ولم يرحل…..
وهل الخريف وأيقن الجميع أنع سيقضى على الغريب والزهرة معاً….لكن – الغريب – أن الغريب لم يرحل بينما ازدادت الزهرة نضارة وجمالاً فإستسلم كل من إنتظر نهاية الغريب. ومر ربيع فربيع آخر وكل ربيع يقود صيفاً وشتاءاً وخريفاً شهدوا جميعاُ قصة الغريب حارس الزهرة….
الذى توقفت فى النهاية مسيرة حياته ورحل عن عالم الأحياء، وظن الناس أن الفرصة قد باتت سانحة لإمتلاك الزهرة التى لم تذبل….وبالفعل تجاسر أحدهم وإنحنى ليقطف الزهرة…وإذا بيد قوية تمسك بمعصمه وتكاد تحطمه وتمنعه من قطف الزهرة ، نظر إلى صاحب اليد القوية، فأذا بها ……لغريب آخر. كان الغريب الجديد مبتسماً فى ثقة وحزم….
نظر إلى الرجل قليلاُ ثم قال له ” لا تحاول….لا تحاول قطفها …فقد ثبتت جذورها ولن يقوى أحد على إنتزاعها سواء عاش الغريب حارساً لها أو رحل عنها.
سمع الرجل كلمات الغريب ولم يفهمها، فحاول أن ينتزع الزهرة وفشل أعاد المحاولة عدة مرات وفى كل مرة كان الفشل حليفاً له وبدا وكأنه ينتزع صخراً من أعماق البحر….والغريب يضحك من محاولاته ومضى تاركاً إياه…..ركض الرجل خلف الغريب قائلاً ” لقد إستسلمت وآمنت أن ما من أحد يستطيع انتزاع الزهرة من مكانها….ولكن أخبرنى عن سر جمال الزهرة ونضارتها الدائمة….قال الغريب باسماً ” إنه الربيع” رد الرجل معترضاً ” أى ربيع؟ الربيع يذهب ويجيىء” أجابه الغريب ” حقاً قلت يا صديقى..إن الربيع يأتى ويذهب…الا إذا سكن داخلك فيكون لك ربيعاً دائماً.”