بكيت عدة مرات وأنا استمع الى شهادة الأستاذ محمد جوهر عن مجزرة ماسبيرو. الرجل نفسه بكى وهو يحكي أنه كان مضطراً للمرور فوق الجثث حتى يصل الى قناة 25 التي يترأس مجلس ادارتها والتي تطل استوديوهاتها على الدماء التي تسيل أمام مبنى ماسبيرو. جوهر في شهادته التي قالها للأستاذ يسري فودة في برنامجه الشهير “آخر كلام” . حكى أن قوات الشرطة العسكرية ومعها بلطجية في ثياب مدنية اقتحمت مقار القناة وحطمتها بحثاً عن المسيحيين”، نعم “المسيحيين”، فاذا كنت مسلماً يتركوك واذا كنت مسيحي، يعتدون عليك بوحشية وربما يقتلوك . إنه القتل العنصري بسبب الديانة ولا شيئ غير الديانة، رغم أن هذه التظاهرات السلمية شارك فيها مسلمين.
هذه الهمجية واجهها المسلمين في القناة باعطاء بطاقاتهم لأخوانهم المسيحيين. كما أن الأستاذ جوهر ومعه الشجعان في القناة اخفوا عدداً كبيراً من الأقباط عدة أيام حتى لا يكون مصيرهم الأعتداء و السجن، وربما القتل.
هذه القناة الشجاعة كانت تسجل على الهواء مباشرة القتل المتعمد للمحتجين أمام مبنى ماسبيرو. وصوروا الدبابات وهي تسحق بجنازيرها مصريين، وصوروا القتل العمدي بالرصاص. لهذا عصف العسكر ومعهم جماعة الإخوان فيما بعد بهذه القناة وضيقوا عليها ومنعوا عنها التصريحات التي تمكنها من العمل، حتى اضطر الأستاذ جوهر لإغلاقها.
ولمن لا يعلم الأستاذ محمد جوهر هو احد أهم من عملوا في صناعة الإعلام، فهو رئيس مجلس ادارة شركة فيديو كايرو ، وهي الشركة التي تخصصت منذ سنوات طويلة في تقديم الخدمات التليفزيونية للقنوات التليفزيونية العربية والأجنبية. وهو قبل كل ذلك وبعده المصور التليفزيوني العسكري وصاحب الصور الشهيرة للأسرى الإسرائيلين، وهو ايضاً المصور الخاص بالرئيس السادات رحمه الله.
كما تخرج من شركته أو للدقة اكاديميته عشرات من الإعلاميين الذين اصبحوا نجوم هذه الصناعة. وكنت أنا وزميلي وصديقي خالد صلاح رئيس تحرير اليوم السابع من الذين اسعدهم الحظ بالالتحاق بها. فقد تعلمت منه أن الصحافة والإعلام ليست هتافاً سياسياً ولا هي زعيق، ولكنها صناعة لها قواعد تحترم مشاهديها، أياً كانت الرسالة التي تريد توصيلها.
هذا الرجل العظيم اسس قناة 25 من ماله الخاص الذي جناه من عرقه طوال سنوات وسنوات. لم يعتمد على رجل اعمال، ولا على تمويل خليجي أو غير خليجي. وغامر بتقديم مفهوم مختلف، من مجموعة من الشباب الصغار ليخاطبوا شرائح جديدة من المصريين، ويقدموا محتوى جديد وشجاع، يبني دولة مصرية حديثة، هي الدولة التي يحلم بها استاذي العزيز والتي ضحى كثيراً من اجلها.
الآن مر عام على مجزرة ماسبيرو، وباقي المجاذر التي نعرفها جميعاً، محمد محمود والبالون ومجلس الوزراء والعباسية.. الخ. وتشكلت لجان تحقيق وهناك قضايا أمام المحاكم وهناك بلاغات للنائب العام .. لكن الحصيلة صفر.
لماذا لم يتم تقديم القتلة الى محاكمات حقيقية؟
هذا سؤال لابد أن يجيب عليه الرئيس مرسي وجماعته السرية الإخوان التي تحكم مصر الآن. ونضيف عليه سؤال آخر ما هو المقابل الذي حصلوا عليه حتى لا يحاسب المتهمين بالقتل من اعضاء المجلس العسكري ورئيسه؟
وهل هناك ما يساوي دماء المصريين؟!
سعيد شعيب
الف تحية للاستاذ محمد جوهر