نشر الكاتب الصحفى أحمد عصمت مقال كشف فيه العديد من الحقائق الغائبة فى حادثة قطارى الإسكندرية
واليكم نص المقالة
قبل أقل من ثلاثة أشهر على حادث قطارى الإسكندرية الذى راح ضحيته 41 مواطنا و132 مصابا،، قال الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال زيارته لمحافظة قنا، ما معناه إن الحكومة لن تستطيع تجديد السكة الحديد ومنع الحوادث بدون زيادة أسعار التذاكر، وإنه شخصيا يفضل وضع الـ 10 مليارات جنيه المطلوبة لتجديد بعض قطاعات هذا المرفق فى البنوك لتحقق فائدة 2 مليار جنيه فى السنة، وأضاف غاضبا «إنه لا توجد خدمات فى أى دولة فى العالم تباع بالأسعار المنخفضة كما هو الحال فى مصر»، محذرا من أن هذا الوضع سيؤدى إلى انهيار مرافق الدولة واحدا تلو الآخر.
من الناحية الاقتصادية المجردة، قد تكون وجهة نظر الرئيس صحيحة، فلا يمكن توقع أداء جيد من أى مرفق وهو يحقق خسائر، أو أن يستمر فى تقديم الخدمة بالأمان والكفاءة المطلوبة بمرور الوقت، ومع ذلك فإنه يمكن مناقشة منطق الرئيس فيما يتعلق بالسكة الحديد، بأنه كان من الأولى إرجاء انشاء المشاريع الكبرى مثل قناة السويس الجديدة، أو العاصمة الإدارية الجديدة، أو مشروع الجلالة السياحى، لتوفير عدة مليارات من الجنيهات من ميزانياتها الفلكية، لرفع فقط معدلات الأمان فى حركة القطارات حتى مع سوء حالة عرباتها أو تأخرها عن مواعيدها، لأن الحفاظ على حياة الناس أهم من أى مشاريع عملاقة، وهو أمر لا أحد يستطيع المجادلة فيه.
أما من الناحية السياسية، فإنه لا يمكن الحديث عن رفع أسعار الخدمات، مع تفاقم سوء توزيع الثروة القومية فى مصر بعد أن أصبحنا نحتل المركز الثامن فى قائمة أسوأ 15 دولة فى العالم، حيث إن 10% من المصريين يمتلكون أكثر من 70% من ثروات البلاد. وفى الوقت الذى تبلغ ثروة 7 مواطنين مصريين فقط 18 مليار دولار، هناك 71 مليون مواطن مصرى يحتاجون الدعم الحكومى على السلع الغذائية الضرورية، منهم 30 مليونا تحت خط الفقر و5 ملايين فى فقر مدقع، مع تضخم بلغ 35% مع ثبات الأجور والمعاشات، وهم كلهم يتقاضون مرتبات تقل أضعافا مضاعفة عن المرتبات فى معظم دول العالم، فإذا كانت الحكومة تحدثنا عن الأسعار العالمية فلماذا تتجاهل أيضا الأجور العالمية؟!
فقه الأولويات فى أسلوب عمل السلطة هو الرقم الغائب عن إدراكها السياسى، وحتى عن تصوراتها للإصلاحات الاقتصادية التى تنفذها وفقا لروشتة صندوق النقد الدولى، فقد كان يمكن التأنى مثلا فى حفر القناة وتنفيذها على 3 سنوات بدلا من سنة واحدة وهو الأمر الذى ينطبق على العاصمة الادارية وغيرها، فهناك 70 مليون مصرى لا يستطيعون مواصلة الحياة ولا توفير لقمة العيش الحلال، مع هذه الزيادات الفلكية والمستمرة فى الأسعار، ودون أن يعرفوا بوضوح متى تنتهى هذه الحياة البائسة التى يعيشونها؟ ولا متى تتحقق وعود الحكومة لهم بالرخاء؟ وكيف يستفيدون من هذه المشاريع العملاقة التى تنفذها الحكومة؟ أو بمعنى أصح ما هو نصيبهم منها وهم الذين يتحملون تكلفتها الحقيقية؟!
كارثة القطارين ليست مجرد إهمال سائقين، أو فساد فى هيئة السكة الحديد، أو عدم القدرة على توفير الاستثمارات الضرورية لتطويرها، ولا حتى «مؤامرة إخوانية» كما أشار لذلك أحد الخبراء، وليست أيضا خطة دموية وضعها بعض الموظفين فى الهيئة لإحراج بعض الموظفين الكبار وإزاحتهم من مناصبهم كما قالت بعض الأصوات.
الكارثة سببها العقلية التى تدار بها الأمور فى مصر، وتحميل الفقراء ومحدودى الدخل معظم فواتير الأزمات الاقتصادية وتبعات الخروج منها، ونفض الدولة يديها من غالبية المسئوليات الاجتماعية تجاه مواطنيها.. لا أكثر ولا أقل!