بقلم الكاتبه الصحفيه/ ايريني سعيد
دائماً ما تتطلب مواجهة القضايا المصيرية إستراتيجية مختلفة إن لم تكن أيدلوجية واضحة , من شأنها إيقاف كم المغالطات و المناوشات , و التى عادة ما تصاحب هذه القضايا فور مناقشتها أو البت فيها .
و لعل حجم المهاترات و التى اقترنت بإتفاقية تقسيم الحدود بين مصر و السعودية , جاء أكبر دليل على غياب الرؤية أو حتى الإستراتيجية فى التعامل مع هذا النوع من القضايا الشائكة .
فمنذ و أن وقعت الحكومة المصرية ممثلة فى رئيسها المهندس ” شريف إسماعيل ” على إتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر و السعودية منتصف العام الماضى , حتى و توالت التصريحات المسئولة و الغير مسئولة من الفريقين , سواء المؤيد لسعودية الجزيرتين أو حتى لمصريتهما .
ارتكن كل فريق إلى مجموعة من الوثائق و المستندات و المدللة على توجهه , متنافساً مع الآخر و مستغلاً حالة الفوضى العارمة بل و غياب الرؤية الشاملة , و الأهم العجز الواضح عن إدارة الأزمة , لينتج لنا صراع بلغ أقصاه فى تداخل السلطتين التشريعية و القضائية عاكسا منحى أقرب ما يكون إلى الانهيار القانونى للدولة و لهيبتها , و ذلك حينما قضت محكمة القضاء الإدارى بداية العام الجارى ببطلان الإتفاقية و الموقعة بين البلدين و التى تفيد بتبعية جزيرتى تيران و سنافير للمملكة السعودية , ليخرج علينا البرلمان فى تحدٍ سافرٍ مُمَرراً و مجيزاً للإتفاقية ضارباً بالأعراف القانونية و الديمقراطية _ و التى تقتضى أول ما تقتضيه مبدأ الفصل بين السلطات _عرض الحائط .
كغيرى من المتابعين للأوضاع عكفت _ قدر الإمكان _ على البحث عن الوثائق و المستندات , من خلال التردد على مراكز الأبحاث , و الإطلاع على الدوريات الدولية و غيرها من الدراسات المنشور بها , ناهيك عن مهاتفتى العديدين من أصحاب الخبرات و ذوى التخصصات , علًنى أتمكن من الإجابة على تساؤلات عدة طالما شغلت الكثيرين و لا سيما المصريين .
ربما لم أكن مبالغة إذا قلت ” لا يوجد مجال اقتحمته و برهن لى سعودية الجزيرتين , حتى و نفسه ذلك المجال أكد لى مصريتهما أيضاً ” مستندات و وثائق تاريخية , قوانين دولية , قوانين بحار , معاهدات إقليمية , و حتى العلوم البيئية و الجيولوجيا و الأهم المنظمات الدولية , وثائقها و خرائطها .
فهل توجد منظمة دولية أكثر عراقة و ثقلاً من الأمم المتحدة ؟! , و التى طالعتنى بداية الأمر بمصرية الجزيرتين بمحضر جلستها المنعقدة فى 15 فبراير 1954 , و أحقية مصر فى التحكم فى خليج العقبة , لتكون هى نفسها من طالعتنى بسعوديتهما أيضاً من خلال خريطتها فى 16 نوفمبر لعام 1973 , و التى تبين الموقع الجفرافى للجزيرتين و طبقاً للقانون الدولى و إتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار الصادر من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب القرار 3067 ضمن النطاق السعودى .
عُدتُ إلى الأساس الخرائطى , فكما علمتنى العلاقات الدولية و دراساتها أن البت فى مثل هذه القضايا تحكمه الخريطة ,
و منها لُوحظ تقع جزيرة تيران عند مدخل مضيق تيران و الفاصل بين خليج العقبة و البحر الأحمر , و تبلغ مساحتها 80 كم و تبعد عن شبه جزيرة سيناء 6 كم , و عن جزيرة سنافير تتجاور مع تيران من ناحية الشرق و تبلغ مساحتها هى الأخرى 38 كم مربع , و تتقابل الجزيرتان مع خليج العقبة من ناحيته الجنوبية , كما تتحكم الجزيرتان فى الطريق الملاحى منه و إليه , و تتحكم أيضاً فى الطريق الملاحى و المؤدى لقناة السويس , و من خلال الجزيرتين تملك مصر المقدرة الكاملة فى تأمين كل هذه الطرق و المداخل الملاحية , و لها أيضاً الحق فى تفتيش السفن المارة بها و تحصيل عوائدها , إلى جانب إمكانية غلقهما فى حالة الحرب , حيث تعد الجزيرتان بمثابة خط دفاع بالنسبة للحدود المصرية , و لا سيما الشرقية.
.. أمن قومى يا سادة !!
بالإضافة إلى ذلك أجازت الرسومات الطبوغرافية المخاوف و التى أثيرت بخصوص حقائق عدة لها أن تؤخذ فى الاعتبار , أهمها إمكانية إقدام إسرائيل_ حال تسليم الجزيرتين للسعودية _ على إنشاء قناة أشدود , و التى تصل أشدود بإيلات , و ما قد يترت عليها من منافسة لقناة السويس , إلى جانب رغبتها الأساسية و التى تعاقدت بموجبها مع الصين بقيمة قدرها 10 مليار دولار لإقامة سكك حديد تربط إيلات بالبحر المتوسط لتسهيل نقل البضائع من آسيا لأوروبا .
فهل أمننا القومى لم يعد مبرر لإعادة ترتيب الحسابات و تدوير الأمر ؟! , و هل كل هذه المخاوف لم تعد مبرر لإرجاء القضية برمتها ريثما يجد جديد ؟!,
و الأهم هل ردود الأفعال الشعبية الغاضبة و المعلنة عدم التسليم لم تعد مبرر للإنصياع لرغبة هذا الشعب فى حفظ تراب هذا الوطن ؟!
القضية باتت عصية على التناول , و بمرور الوقت ازدادت صعوبة , و ربما أصبحت أكثر تعقيداً من أن يتم حسمها خلال تمرير مشبوه و إجازة باطلة من قبل مجلس تناسى واجبه الأصيل فى تمثيل هذا الشعب و الاضطلاع بهمومه .
و اخيراً إن كان لدى السعودية ما يبرهن تسليم مصر الجزيرتين من أجل حمايتهما , فلدى مصر ما يبرهن على أن هاتان الجزيرتين ضمن التراب المقدس لهذا الوطن و هذه الأرض .