السبت , نوفمبر 23 2024

تمرد الحمار!..فهل يتمرد الإنسان ؟

بقلم: أنطوني ولسن ـ سيدني، أستراليا
سؤال طرحته على نفسي عدة مرات ولم أجد له تفسيراً، أو معنى لما أفكر فيه!
فالحمار، هو الكائن الوحيد الذي أثبت قدرته على التحمل طيلة آلاف السنين،
أستخدمه قدماء المصريون على مدى تاريخهم كوسيلة للإنتقال، ولجر عرباتهم في الريف، وأيضا في المدن على الرغم من الإزدحام الشديد في المدن. وأظن أنه مازال “الحمار” مستخدماً حتى زمننا هذا الذي نعيشه الآن. والشاهد على ذلك الرسومات الموجودة على جدران المعابد الفرعونية في طول البلاد وعرضها، والمشاهد المتكررة في شوارع القاهرة عندما يتعطل المرور في شارع ما، ويتضح ان السبب عربة “كارو” تسير في أول الشارع. لأن الحمار تسبب في تعطل المرور. ويبدو أن الحيوان المطيع قرر أخيرا التمرد!
يبدو أن الناس تنبهت على صياح عربجي يصرخ بأعلى صوته ويأمر الحمار بأن يستمر في جر عربة محملة بالخضروات. ولكن الحمار رفض التنفيذ!. فما كان من العربجي إلا ان انهال ضربا على الحمار حتى سالت الدماء من جسده الواهن الضعيف. أندفع أحد المارة وأخذ يتشاجر مع “العربجي” لكن “العربجي” أخذ يصرخ بأعلى صوته ويأمر الحمار بأن يستمر في جر العربة المحملة “بالخضروات”!
يبدو ان الحمار شعر بتعاطف الأهالي معه؛ فقرر عدم التراجع عن موقفه. بل ارتمي على أرض الشارع رافضا ان يتحرك. فجن جنون صاحبه واستمر في ضربه. المواطن أيضا اصر الا يترك الحمار لأنتقام “العربجي”، فاتصل بالشرطة التي جاءت مسرعة وفوجيء أمين الشرطة بالموقف، ولم يتوقع ان يكون سبب أستدعائه هو حماية الحمار!
المواطن صمم أن يضرب “العربجي” بالعصا ذاتها التى أدمى بها العربجي جسد الحمار. لكن الرجل لم يتراجع الا بعد توسلات “العربجي” وأقاربه. وبعد أن تعهد لهؤلاء بألا يمس الحماربسوء بعد ذلك. أهالي الشارع قدموا الطعام “للحمار” الذي لم يكن قد تناول طعاما منذ اكثرمن 24 ساعة، وتركوه بعد ان تحسنت حالته. أما صاحبه فأنه يشاهد كل يوم وهو يعامل الحمار معاملة طيبة، ويطبطب عليه أثناء مروره في الطريق.. نفس الطريق!
كان خبر تمرد الحمار، الذي قرأته في احدى الصحف المصرية الصادرة في القاهرة، دعوة لألقي الضوء على التمرد!
التمرد هو حالة يصل اليها المتمرد بعد أن يكون قد فاض به الأمر من تحمل عذابات وآلام المعاملة السيئة التي يعامل بها ومن الذي قرأناه نجد أن المتمرد حيوان .. حمار. واذا نظرنا الى هذا الحيوان “الحمار”، لوجدناه أكثر الحيوانات قاطبة صبرا وتحملا للصعاب. وما من احدنا لم ير بعينه معاناة هذا الحيوان الطيب
الذي يرتبط بصاحبه وبيت صاحبه، وبأرض صاحبه، ولا يضل الطريق مهما حاولوا تضليله!
الحمار هو الحيوان الذي سير وعاصر تاريخ مصر قديمها وحديثها. فقد استخدمه قدماء المصريين قبل الحصان. كذلك أستخدمه كل مستعمر دخيل جديد اذاقه كما أذاق صاحبه الذل والهوان، واحتمل كلاهما “الحمار” وصاحبه هوان وذل الغازي الدخيل.
لم نسمع قبل ذلك عن تمرد “حمار”، فهذا ليس من طبع الحمار. ولم نسمع عن تعاطف إنسان في مصر مع حيوان. الحيوانات في بلادنا الشرقية، إما للمرفهين الأغنياء، وإما للمرهقين “التعبانين” الفقراء!
المرفهون دون شك لن يهتموا بما يحمله الحمار من أثقال المرهقين على الرغم من أنهم “المرهقين” مثل الحمار مثقلون بهموم الدنيا وأوجاعها الا أنهم بالطبع لن يفكروا في ثقل الحمل على ظهر هذا الحيوان “الحمار” الصابر والمتحمل لكل الصعاب ومنها الجوع وعدم الغذاء الكافي والراحة.
الحمار اتخذه بعض كبار الأدباء والمفكرين المصريين رمزا من رموز التحمل والصبر فاقاموا في الأربعينات جمعية تحمل إسم (جمعية الحمير المصرية) واتخذه أديب ومفكر القرن الماضي المرحوم الأستاذ توفيق الحكيم. كوننا نسمع بتمرد حمار.. هذه وحدها معجزة؛ لأننا نحاول أن نجعل صاحب الحمار..هذا المصري الذي صاحب الحمار طوال عصور القهر والظلم والاذلال حتى الآن.. اقول نحاول أن نطلب منه ولو مرة واحدة أن يتمرد ويعلن تمرده كما أعلنه حماره ويتحمل العذاب والضرب والجوع، ويرفض الطاعة العمياء لكل من نصب نفسه سيدا عليه. لكنه غير قادر.. إذا اهانوه واذلوه ونزلوا عليه ضربا وتنكيلا وحصولا على مكافآت على ما يفعلون.. أيضا لا يتمرد، اذا قتلوه وحرموه من حقه في الحياة.. أيضا لا يتمرد؛ لأنه يخاف أن يقال عنه متمرد فيغضب منه وعليه الحاكم وغيره من المهيمنين على حياته وشجونه!
حتى الحمار الذي يصفونه ببلادة الحس والغباء ..تمرد!
ويبقى السؤال الحائر لا اجابة له.. متى يتمرد صاحب الحمار في مصر والدول العربية على الظلم والإضطهاد وحالة الفقر والجهل والمرض التي يعيشها الحمار في هذه الدول؟
فهل يتمرد الإنسان؟.. ومتى يتمرد؟…

شاهد أيضاً

سوهاج

خالد المزلقاني يكتب : أوكرانيا وضرب العمق الروسي ..!

مبدئيا أوكرانيا لا يمكنها ضرب العمق الروسي بدون مشاركة أوروبية من حلف الناتو وإذا استمر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.