بقلم / مايكل عزيز البشموري
الجزء الرابع : السر الاول – الخبز الأرضى
– المطران : هناك ثلاث قوي تستطيع وحدها أن تتغلب على البشر : الطعام ، السر ، والسلطة ، وقد رفضت تلك القوى الثلاث جميعا ، وعلمت البشر بقدوتك أن يحتقروها ، وهنا يجب ان نتذكر ما ورد في إنجيلك عن تجربتك الاولي .. عفوا أقصد السر الاول الذى نُخفيه .. يقول الكتاب عنك :
” ثم اصعد يسوع الى البرية من الروح ليجرب من ابليس ، فبعدما صام اربعين نهارا واربعين ليلة جاع اخيرا
فتقدم اليه المجرب و قال له ان كنت ابن الله فقل ان تصير هذه الحجارة خبزا ، فاجاب وقال مكتوب: ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله ” متى 4 : 1-4 .
– يسوع : لقد رفضت ذلك العرض لإنني لم أشأ أن يُحرم الانسان من الحرية ، فلا حرية صادقة حيث تُشتري الطاعة بالخبر .
– المطران : انتا يا مخلصي رجل حر في زمن قل فيه الاحرار ، ونادرا ما نرى أوناس يرفضون الخبر
مقابل حريتهم مثلك ، فقد أجبت بقولك : ليس بالخبر وحده يحيا الانسان … ولكن أكنت تجهل ان روح الارض سيثور عليك ذات يوم بإسم هذا الخبر الارضي ؟
هل تريد أن تمضي إلى الناس ، وانت خالي اليدين ؟ إذا كنت ستفعل ذلك فلن يستطيع البشر أن يتبعوك بحكم غرائزهم الانسانية .
– يسوع : مكتوب « اُدْخُلُوا مِنَ الْبَاب الضَّيِّقِ، لأَنَّهُ وَاسِعٌ الْبَابُ وَرَحْبٌ الطَّرِيقُ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْهَلاَكِ، وَكَثِيرُونَ هُمُ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ مِنْهُ » . مت 7 : 14
– المطران : نعم ، ولكن الطبيعة الانسانية العادية لن تستطع الصمود أمام الجوع ومشتهيات الحياة
هذا عن الباب الواسع ، أما بشأن الباب الضيق فقليلون هم الذين يدخلون فيه ، وهؤلاء هم الأقوياء والمختارين خاصتك .
– يسوع : لا يُشترط أن يصبح المرء قوياً لإجل تخلصه من مشتهيات الحياة ، فالطريق الضيق يُقصد به محاولة
الانسان الارتقاء قدر الإمكان بنفسه وجسده عبر التخلص من اللذات والسهوات التى تأسر الجسد
فى براثن الخطية .. وأي ضعف يُعانيه الانسان فبالاتحاد مع أسراري الكنسية يُصبح قوياً
ولا يمكن هزيمته أبداً ، ووعدى صادق وأمين : تكفيك نعمتى لان قوتى فى الضعف تُكّمل أيها الانسان .
– المطران : وهذا ما نسعى نحو تطبيقه على أرض الواقع .
– يسوع : كيف ؟
– المطران : عبر تحويل كنيستك لمنظومة إجتماعية وخدّمية .
– يسوع : ولكن هذا يتعارض مع رسالتى السماوية .
– المطران : يبدو أنك متأثر بفكر الراهب المسكين وأتباعه المهرطقين ، هل تعلم بأن هؤلاء الهراطقة مُلقيّين الان كالفئران فى سجونى يتضرعون الجوع والعذاب .
– يسوع : اولئك الهراطقة الذى تتحدث عنهم ، هم أحبائى وشهودى على الارض ، فهم لا يبغون شيئا سوى قول الحق .
– المطران بغطرسة : « هم ثوار مثلك يا يسوع ، ولا مكان لهم فى كنيستنا التى يحكمها مبادئ قداسة البابا
المعظم « ذهبي الفم» فمصيرهم محتوم مثل مصيرك وهو الموت لا محالة » …. أخذ المطران نفساً عميقاً
يدل على إستياء واضح ثم إستكمل حديثه بسؤال يسوع : هل تريد أن تعلم كيف حولّنا بيعتك إلى منشأة إجتماعية ؟ أم ستقوم بالدفاع مرة أخرى عن هؤلاء الهراطقة ؟
– يسوع مبتسماً : سنتطرق فيما بعد لأمر أحبائى هؤلاء ، ويمكنك الآن متابعة حديثك .. تفضل .
– المطران : « كانت الجموع تتبعك فى الماضي وتلتف حولك لإنهم كانوا على دراية
بأنك بعد كل عظة من عظاتك الخالدة كنت ستتحنن عليهم وستطعمهم ، ومما لا شك فيه
كانوا سيحصلون على وجبة طعام تكفيهم قوت يومهم
وهو نفس الامر الذى ينطبق الان على فقراء الاقباط ، فنحن إذا أردنا أن نسيطر على هذا الشعب وجب علينا
أولاً : إطعامهم الخبز الارضي ( طعام ، معونات مالية ومساعدات لوجيستية )
ومن ثم إطعامهم الخبز السماوى الممثل فى رسالة الإنجيل .. ولكن إطمئن يا سيدى ، لسنا وحدنا مَن يفعل ذلك ، فكل كنائس العالم تفعل الامر ذاته
هل تعلم بأن جميع الإرساليات المسيحية تستقطب المؤمنين بإسم هذا الخبز الأرضى
وقد نجحت تلك الإرساليات بالماضي بإستقطاب عدد كبير من فقراء الاقباط تحت مسمى خدمة أخوة الرب
هل أدركت الان قيمة الخبز الأرضى ؟
– يسوع : وماذا فعلتم للحد من نشاط تلك الإرساليات ؟
– المطران : لقد استطعنا دون غيرنا السيطرة على أموال الشعب بفضل الاستحواذ على عشورهم وتبرعاتهم
ومن خلال استخدام تلك الأموال الكثيرة ، أقمنا لهم المشروعات والمصانع والأبنية
فبنينا لهم الكنائس العملاقة والمرافق والمنتجعات السياحية والخدمية ، وتحولت الكنيسة
بفضلنا الى شركة كبرى ، إستطعنا من خلالها السيطرة على مقومات الشعب القبطي ، ليس هذا وحسب
لقد أصبح لدينا أيضاً باع طويل فى العمل السياسي والفضل في ذلك يرجع الى أبينا قداسة البابا المعظم
« ذهبي الفم » ! .
– يسوع : لكن هذا ليس من إختصاصكم ، لقد حولتم الكنيسة بذلك إلى إقطاعية لا تختص بعمل الملكوت
وكان لا بد منكم منح تلك الاختصاصات لإشخاصً آخرين .
– المطران مستغرباً : وَمَن سيتنعم بأموال الشعب دون غيرنا ؟ أتريد أن يحكمنا العلمانيين بإسمك ؟!!
– تحدث يسوع بصوت حزين : ولكن إستمرار هذا الوضع يُعد إنحرافا .
– المطران : ماذا تقصد بكلمة إنحراف ؟
– يسوع : لقد حللتم ما ليس لكم ، وتناسيتم عملكم الأساسي وهو الكرازة والدعوة الى التوبة والخلاص
كان الأفضل بكم أن تسلكون الطريق الذى سلكه آبائكم الرسل فى سفر الأعمال وتُقيمون أهل الكفاءة لتولى مسئولية إدارة شئون الكنيسة ورعاية أخوتى الفقراء :
( فعندما تذمر اليونانيين على العبرانيين وأدعّو بأن اراملهم كن يغفل عنهن في الخدمة اليومية ، فدعا الاثنا عشر جمهور التلاميذ و قالوا :
« لا يرضي ان نترك نحن كلمة الله و نخدم موائد »، فعرض الرسل على الشعب بأن ينتخبوا رجال مشهودا لهم
و مملؤين من الروح القدس لتولى مسئولية خدمة الفقراء والأرامل والمحتاجين
والتفرغ للبشارة للمواظبة على الصلاة و خدمة الكلمة » ، فحسن هذا القول امام كل الجمهور
فاختاروا استفانوس رجلا مملوا من الايمان و الروح القدس ومعه ستة شمامسة أتقياء .. وكانت كلمتى تنمو وتزداد و عدد تلاميذي يتكاثر في اورشليم و جمهور كثير من الكهنة يطيعون الايمان ) . أعمال الرسل 6 : 1-7 ..
– نظر يسوع فى أعين المطران الذى كان يتحاشى النظر إليه خجلاً ، ثم إستكمل حديثه منتقداً إياه :
« لقد جذبكم الخبز الأرضى نحو الباب الواسع المؤدى إلى الهلاك ، وتخليتم عن الخبز السماوى وكلمة الرب
وعملتم طيلة السنوات الماضية على تقديم « عبادات طقسية ، مساعدات أخوة الرب ، مهرجانات فارغة ، موالد قديسين ، مشروعات كنسية دون جدوى » وأبتعدتم شيئاً فشيئاً عن رسالة الإنجيل والبشارة بملكوت السموات !
– إبتسم المطران إبتسامة ماكرة ثم قال ليسوع : لقد علمت الان السر الاول الذى نُخفيه ونسيطر به على الشعب ،
وأود طمأنتك يا سيدى فالسر الثاني سيُجيب على تساؤلاتك وسيُنسيك كل أحزانك .
للحديث بقية