الأحد , ديسمبر 22 2024
أ.د/ عبدالرازق مختار محمود

من عبقرية المسيح ( 1- في محراب الحب )

بين الحين والآخر يعاودنا الحنين إلى قراءة ما كنا قد قرآناه قبل سنوات طويلة، ربما رغبة في اختبار وقع خبرتنا على ما تقع عليه أعيننا، أو حنينا إلى تلك الأيام التي نشتاق إليها، وهذا أيضا ليس عن قلة المعروض من المعرفة، فالمعرفة متناثرة في كل الطرقات، وتكاد تقتحم علينا أنفاسنا.
ومن تلك الكتب التي عاودني الحنين إليها في هذه الأيام سلسلة العبقريات للعقاد، وهى سلسلة أكثر من عميقة، تناول فيها العقاد بعض الشخصيات العابرة للتاريخ، والمحلقة في سماء الخلود، بداية من الرسول الأعظم عليه أفضل الصلاة والسلام، وبعض الصحابة رضوان الله عليهم، ومن هذه السلسة أيضا عبقرية المسيح عليه وعلى نبينا السلام.
وفي ديننا حب المسيح النبي والإيمان به أمر في القرآن الكريم، فلا يكتمل إيمان المسلم إلا إذا آمن بالمسيح النبي المرسل من عند الله عز وجل لهداية قومه، والأخذ بأيديهم من طريق الضلال والكراهية، إلى محراب الإيمان والحب، في ديننا المسيح أرسل نموذجا لمعجزة فريدة، لم ولن تتكرر في البشر، وهي دليل على طلاقة قدرة الله عز وجل؛ فإذا كان آدم خلق من دون أبوين، وحواء من دون أم، وسائر البشر من أبوين، فالمسيح خلق من أم دون أب، وتلك هي طلاقة القدرة.
المسيح عيسى بن مريم هو النموذج المحتذى في تحمل الآلام، والصبر على الدعوة، وهو النموذج الساطع في إشاعة الحب والسلام في كل الكون، وهو المحب والقريب من أولئك المستضعفين المثقلين بالهموم: طوبي للحزانى. طوبى للمساكين. طوبى للجياع والظماء. طوبى للمطرودين في سبيل البر، طوبى للودعاء والرحماء:” تعالوا إلي يا جميع المتعبين والمثقلين.. احملوا نيري عليكم وتعلموا مني.. فتجدوا راحة لنفوسكم. لأن نيري هين وحملي خفيف”.
وإذا جاز لنا أن نصف شريعة السيد المسيح التي أتي بها فهى شريعة الحب التي قضت على شريعة الكبرياء والرياء فعلم الناس أن الوصايا الإلهية لم تجعل للزهو والدعوى، والتيه بالنفس، ووصم الآخرين بالتهم والذنوب، ولكنها جعلت لحساب نفسك قبل حساب غيرك، والعطف على الناس بالرحمة والمعذرة، لا لاقتناص الزلات واستطلاع العيوب. ففي شريعة الحب يُقال للمتعالي على غيره: “لماذا تنظر إلى القذي في عين أخيك ولا تنظر إلى الخشبة في عينك؟”
وفي شريعة الحب ” قيل للقدماء لا تقتل ومن يقتل وجب عليه العقاب. أما أنا فأقول لكم من يغضب على أخيه باطلا يأثم ويخزى…فإن قدمت قربانك وذكرت حقا لأخيك عليك، فدع قربانك أمام المذبح واذهب قبل فصالح أخاك”، وفي شريعة الحب ” سمعتم أنه قيل عين بعين وسن بسن، وأما أنا فأقول لكم لا تقابلوا الشر بالشر، ومن لطمك على خدك الأيمن فحول له الأيسر … ومن سخرك ميلا واحدا فاذهب معه ميلين”، وفي شريعة الحب يقول السيد المسيح: من طلب منك رداءك فأعطه قميصك مع الرداء.
وبعد فمن الحق أن نقول: إن معجزة المسيح الكبرى هي هذه المعجزة التاريخية التي بقيت على الزمن، ولم تنقضي بانقضاء أيامها في عصر الميلاد: رجل نشأ في بيت نجار في قرية خاملة بين شعب مقهور، يفتح بالكلمة دولا تضييع في أطوائها دولة الرومان، ولا ينقضي عليه من الزمن في إنجاز هذه الفتوح ما قضاه الجبابرة في ضم إقليم واحد، قد يخضع إلى حين ثم يتمرد ويخلع النير، ولا يخضع كما خضع الناس للكلمة بالقلوب والأجسام.
نعم كما قال ربنا عز وجل ( وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين ) .
أ.د/ عبدالرازق مختار محمود
أستاذ علم المناهج وطرائق التدريس بجامعة اسيوط

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.