الأربعاء , نوفمبر 27 2024
أ.د/ عبدالرازق مختار محمود

بانا العابد رسالة في جدار الإنسانية .

كانت تعيش هانئة في زوايا طفولتها … ثارت كل مدينتها… فقصفت، وتهدمت كل البيوت… من بين الركام كتبت رسالة لكل الإنسانية …التقطها، ووعدها، واستقبلها في قصر الرئاسة مع أهلها… هنا حكاية بانا قد انتهت .. ولكن رسالتها علي جدار الإنسانية مازالت باقية؛ لتخبرنا بأنه من خلف ستائر القصف، وبين سحب الدخان المتراكم، وبين بقايا منازل تهدمت، وعلي أنقاض طفولة ترحل، وبجوار عيون شاخصة تنتظر الرحيل، وعلي مرمي من أجساد اخترقتها سهام البرد القارس، وعلي شموع بالية، وشحنات من الطاقة نفدت أو تكاد….
صرخت طفولة بانا بنت حلب الشهباء، وهي البريئة، المنهكة، المتألمة، العاجزة، الرافضة، الثائرة، المحلقة في سماء قهر المستحيل، الضاربة بقوة علي زناد لوحتها الخافتة؛ لتكتب استغاثه لكل الكون، استغاثة لأهل الشهامة، استغاثة للنشامى، استغاثة لأمة أقامت الدنيا من أجل رداء امرأة اهتز عمدا من مكانه، أمة ثارت قاطبة من أجل صرخة من ضعيف علي أطراف التاريخ يطلب النصرة، نعم صرخت وحقيق لها أن تصرخ فهي سليلة أمة ثارت، ونالت من أجل نظرة، ومن أجل كلمة.
نعم صرخت تنشد النخوة، وتخاطب الرجولة، وتستدعي الكرامة، وتلهث خلف النصرة، لا تبغي بصرختها الرغد، ولكنها تستجدي البقاء، وتتسول الهواء، وتأمل في النجاة بجسدها علي ضعفه خلف أسوار الحياة.
علي تويتر أرسلت بانا تلك الرسالة، وهي رسالة لكل الكون، هي رسالة لكل الإنسانية المتمسكة بمؤسساتها البالية العفنة، هي رسالة لكل فرد بعينه قد تصله أو تكاد؛ لتسأله ماذا فعلت؟ وربما نجا من همس بالدعاء لها، وهو مختبئ خلف عجزه وضعفه، وربما ابتعد قليلا بهمسه عن أولئك الذين فرحوا لعجزها، وتباهوا بضعفها، ورقصوا علي بقايا دمها الغائر في بقايا الركام، وتبادلوا التهاني بانتزاع ثوبها الممزق، وافتخروا بسلبها أحلامها في الجلوس علي عتبه بيتها مع صديقتها في صباح الصيف لمداعبة نسمة هاربة من شمس الضحى في حلب الشهباء.
نعم ماتت الإنسانية، وتهدم جدارها العفن على وقع تلك الرسالة القاسية، من أنامل لا تكاد تتحرك، نعم ماتت يوم صمتت عن نصرتها، يوم تراخت عن إجابتها، يوم أبت إلا السكون، نعم ماتت كل الإنسانية، يوم تركت كل هذا الضعف وحيدا، ولما تحولت كل أحلام الطفولة العابرة لكل الخيال إلي أمل مجرد أمل في أي نوع من أنواع الحياة .
وأخيرا ربما نتناسى بانا العابد تلك الفتاة السورية، وننسى قصتها، ولكن تبقي دوما رسالتها المحفورة في جدار الإنسانية شاهدا علينا جميعا أننا أصبحنا صرعي في محراب تلك الرسالة، وشهداء تلك الكلمات الحانية.
أ.د/ عبدالرازق مختار محمود
أستاذ علم المناهج وطرائق التدريس بجامعة اسيوط

شاهد أيضاً

تفاصيل الحكم النهائي الصادر في حق القاضي قاتل زوجته “المذيعة شيماء جمال”

أمل فرج  أصدرت محكمة النقض المصرية، الاثنين، حكمها النهائي بإعدام المتهمين أيمن عبد الفتاح، و …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.