رحلة بدأت من قرابة تسعة شهور و تنتهى بصوت وليد صغير يطلق صراخات الميلاد الاولى معلنا عن انضمام عضو جديد للاسرتك الصغيرة و يتوجك اما على عرش عالم الامومة و من هنا تنتابك حيرة كبيرة و تبدين ارتباك شديد و انتى تخطين بخطواتك الاولى فى هذا العالم المليئ بالغوامض التى لم تألفيها بعد فكلما تنظرين الى ذلك الكائن الصغير بجسده الغض الرقيق يكسو وجهك ملامح البهجة الممتزجة بالرهبة و تتأرجح مشاعرك ما بين الاقدام و الاحجام
فعندما تسلكين مع الرضيع حيث عهدك الحديث فى دنيا الامومة قد تقعين فى اخطاء دون ان تعلمين و احيانا تكرريها عن دون قصد و من ابرزها اعتقاد الام بأن دورها بالنسبة للرضيع يقتصر على تلبيه احتياجاته البيولوجية من نظافة و رضاعة و تنويم غافلة عن حقيقية هامة ان للطفل احتياجات نفسية و وجدانية اخرى هامة جدا لضمان نمو نفسى و اجتماعى و انفعالى سليم
و فى هذا السياق اكدت د. مارجريت ريدشو الخبيرة البريطانية فى سلوكيات و نمو الاطفال فى ندوة عقدتها جمعية طب الاطفال و قالت ” ان الطفل يولد و لديه مهارات ادراكية عالية تمكنه من التواصل الفعال مع العالم من حوله و بدءا من الشهر الثانى يبدأ الرضيع فى النمو الوجدانى فلا تقتصر احتياجاته على الجانب البيولوجى فقط بل يبدأ يحتاج الى للتشجيع كلمس يده او ضمه و الابتسام له و ايضا يحتاج الى تواصل لفظى بالكلام فمجرد سماع صوت الام يمثل له الكثير و شيع لديه العديد من الاحتياجات الوجدانية كالشعور بالاطمئنان ,, الرغبة فى الابتسام… و ايضا يحتاج التواصل غير اللفظى عبر العيون و الانفعالات المختلفة
فمثلا بكاء الطفل و انفعالات وجهه كلها بمثابة علامات ارشادية للام بما يريد الطفل فليس بالضرورة ان يكون جائعا او يريد من يغير له ملابسه فقد يحتاج الى دفقة حنان تحويه او يسمع صوت امه فيهدأ روعه او يحتاج فقط الى ان تلمسه او تقبله … الخ
و اكدت العديد من الدراسات و التجارب على مدى اهمية اشباع الجوانب النفسية و الوجدانية للرضيع حتى لدى صغار الحيوانات .. فكم بالحرى تكون ضرورتها بالنسبة للكائن الحى البشرى .. فأجرى هارلو, بولبى , وورث اصحاب النظرية الايثولوجية تجربة على القردة فقام المجرب بفصل اطفال القردة عن امهاتهم عقب الولادة ب 6 -12 ساعة
و كانت تربى القردة من امهات بديلة … منها امهات مصنوعة من الاسلاك الثقيبة و مزودة بحلمة لرضاعة اللبن .. و امهات بديلات من مصنوعة من القماش الوبرى الناعم الذى يشبه ملمس الام و لكن لم يكن لديها لبن … و دلت النتائج ان القردة كان تتجه للام المصنوعة من السلك وقت الرضاعة فقط لسد حاجاتها للطعام و لكن كانت تمضى باقى الوقت مع القردة المصنوعة من الوبر الناعم الذى يشبه ملمس الام و تداعبها و تلعب معها
فنرى بذلك انه خطأ فادح ان ننظر من اطار ضيق لنحد العلاقة بين الام و الطفل فى قضاء الاحتياجات الجسدية له فأرضاء حاجات الطفل الاساسية عملية ضرورية لنموه الجسدى لكنها غير كافيه لنموه النفسى و الانفعالى السليم
فحينما يرضع الطفل يجب على الام ان تشعره بحنو لمساتها و عذوبة صوتها فتظهر عليه علامات الرضا و الارتياح و يبادل الام بالنظرا و الابتسامات و هكذا يستمر التفاعل بين الام و الطفل مما يسهم فى نموه الوحدانى و الانفعالى بجانب نموه الجسدى ايضا
تذكرى دائما ان طفلك ليس بحاجة الى حضورك الى جانبه جسديا فقط فقد اثبتت الدراسات ان الرضع شديدى التأثر بالجوانب النفسية
فاسعد لحظات الام هى اللحظة التى تحتضن فيها وليدها لاول مرة ربما لا نجد كلمات نعبر بها عن تلك اللحظة التى تسمو فوق كل كلمة فى معاجم اللغات , و لكن الفرحة الاولى تأتى بعدها مسؤلية رعاية الرضيع التى يجب ان نبنى على اسس تثقيفيه سليمة … فجميع الاباء و الامهات يخطئون و لا سيما ان كانت تلك هى تجربة الانجاب الاولى لهم و لكن من المفيد جدا التعرف على اخطائنا لتقويمها و لنتجنبها قدر الامكان
اخصائية نفسية
ا. ماريا ميشيل
mareya2000@hotmail.com
الوسومماريا ميشيل
شاهد أيضاً
“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “
بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …