بقلم/ أمل فرج
لازلت أذكرها.. هذه الملامح الطفولية البريئة لطفلة لم تتخطَ السادسة من عمرها ، لازلت أذكر صيحاتها وهي تركض لتُسابق أقرانها ، فتتعثر خطواتها ، وما تلبث أن تسرع في محاولة مجهدة لاستعادة اتزانها ومعاودة السباق مع الأقران ، ولكنها محاولة حزينة تتطاير فيها دموعها وهي تتحدى صفها الأخير في السباق ، بينما يتسارع المتسابقون الصغار في الصفوف الأولى.. ولكنه يشعر بدموعها قبل أن يراها ، وحده مَن يشعر كيف تشعر ، وحده مَن يظل يراها في دور البطولة وإن كانت تتوارى عنها البطولة ، وحده مَن يراها محور الحياة ، وحده مَن سيظل يدللها على مر السنين مهما بلغت من سنين.. هو الفارس الأول في حياتها ، إنه الأب الحنون الذي يعز عليه أن تتحمل ابنته مشاعر الإحباط والفشل ؛فانتشلها بحنان الأب ، الذي هو بوابة الرحمة في هذه الدنيا ونافذة الأمان لكل إنسان.. تأكد الأب من خسارة ابنته في سباق لا طاقة لها به ، ولكنه بفطرة وتلقائية سريعة ودونما تفكير أو تخطيط -وكأنما أدوات القدر تساعده – أسرع بانتشال صغيرته لينقلها إلى ملعب جديد يكون هو المنافس أمامها ، فيكونا المتسابقين الوحيدين في ملعبهما.. يتصنع الضعف ليليق بضعفها ، يُبطئ خطواته ليفسح لخطواتها الطريق للنصر.. تعلو ضحكات الصغيرة لإحساسها بنصر وشيك.. يتعثر الأب الحنون ، أو يتصنع العثرة ؛ ليُعلم ابنته أن العثرات نصيب عادل للجميع لابد منه في طريق الحياة ، وبنفس التصنع يحاول الأب مجاهدة الوقوف من عثرته التي اختلقها كما كانت تفعل صغيرته في عثرتها ، لم يكن هذا المشهد مشهدا تلقائيا ، ولكنه بفطنة ألقتها مشاعر الأب على الموقف ليحتوي صغيرته ويبدد أحزانها الكبيرة ، التي هي في مخيلتها الفشل الذريع ، الذي سيظل يلاحقها كثيرا ، وتقترب قفزات المتسابقين من نقطة النهاية في السباق ؛ فراح الأب يزداد تباطئا ؛لتذوق ابنته فرحة البطولة التي ستكون أول فرحة في حياتها العملية في سباق الحياة.. تتراقص الطفلة وتتوالى قفزاتها حتى تصطدم بسماء السعادة البريئة البسيطة ، ولكنها كانت تعني لها عالما بتفاصيله.. بينما يتظاهر الأب برسم ملامح الثأر من خسارة ساحقة لحقت به ، ولكنها ملامح تمتزج بابتسامة لاتفسد على صغيرته سعادة الفوز.. تنسى الصغيرة حزنها ودموعها ، لم تعد تذكر سوى ما نذكره جميعا أنه سيظل الأب هو البطل الأول في حياة ابنته دائما حتى وإن خسر السباق..
الوسومأمل فرج
شاهد أيضاً
خالد المزلقاني يكتب : أوكرانيا وضرب العمق الروسي ..!
مبدئيا أوكرانيا لا يمكنها ضرب العمق الروسي بدون مشاركة أوروبية من حلف الناتو وإذا استمر …