إيليا عدلي يكتب : فيها يا اخفيها!
21 أكتوبر، 2016 مقالات واراء
بقلم: إيليا عدلي
صرخ السياسي المعتوه في أحد القنوات المشبوهة: “يا رب نبقى زي العراق وسوريا”.. اختلافه السياسي مع النظام جعله يتمنى الفشل لأرض ميلاده، التي لا يرضى بها وطناً ؛ لكفره بمعنى الوطن.. فالوطن في أدبياته ما هو الا حفنة تراب عفن! ذكرني بطفولتنا حين كنا نلعب بتراب حارتنا.. نشكل منه قصوراً من الطين.. مبهجة.. جميلة الصنعة.. نقسم أنفسنا فرقاً.. كلٍ حسب موهبته، الطفل المناسب في المكان المناسب.. نترك الماهرين يشكلون وينحتون الطين قصوراً، ويذهب أقوياء الجسم لإحضار الماء اللازم من الترعة وصبه فوق التراب – بمقدار – كما يأمر به النحاتون.. البقية يحرسون ما تم انجازه من اندفاع كلب طائش أو ثعلب مندفع، يهدم ما بُنيَ.. الكل يشعر بقيمة العمل وقيمة هذا الطين، وأهمية الحفاظ عليه.. ما عدا “بهلول”، ذلك الصبي المعتوه، ضيق الأفق، عصبي المزاج، دميم المظهر، سمين.. ككرة كبيرة من اللحم.. يقتحم العمل ببلطجته المعهودة؛ يطالب بحقه في المشاركة في اللعب بتراب الحارة، ولكنه لا يرضى إلا بإدارة اللعبة ونحت الطين بنفسة، بالرغم أنه لا يمتلك أي مهارة في ذلك.. تدحرج نحونا في ذلك اليوم يهددنا بإلقاء جسده السمين فوق ما صنعناه من قصور لم تكتمل اساساتها، إن لم نجعله ينحتها بنفسه ويدير صناعتها.. أصبحنا بين خيارين احلاهما مر.. إما نجعله يكمل العمل فيجعله قبيحاً مشوهاً، وإما نرفض فيرتمي بجسده الثقيل فوقه ويهدمه.. تلك مشكلة حارتنا وكل حارات قريتنا مع بهاليل اتفقوا على سياسة “فيها يا اخفيها”.