الدكتور / صلاح عبد السميع عبد الرازق
إن الحديث عن دور المدرسة كمؤسسة تربوية تؤدى دوراً واضحاً في تعليم وتربية الأجيال ، بل وتعد وفق الرؤية التربوية الحديثة بمثابة المؤسسة التربوية الثانية بعد الأسرة عليها واجبات يجب أن تؤديها تجاه المتعلمين المنتسبين إليها وفق مراحلها المختلفة من الروضة إلى نهاية المرحلة الثانوية. ويشير مفهوم المدرسة الفعالة بأنها ” مدرسة تعلم الطلاب المعارف الأساسية،وتنمى المهارات الحياتية وتتعامل معهم دون تمييز وتكفل لهم جميعا حقوقهم التربوية من فرص تعليمية متكافئة وخدمات تربوية متميزة وتصل بطلابها إلى درجات الإتقان والتميز ،وتكفل أعضاء المجتمع المدرسي المشاركة في اتخاذ القرارات من خلال بيئة مدرسية أمنة ومناخ اجتماعي مدرسي جيد توفره قيادة مدرسية فاعلة في ضوء رؤيتها ورسالتها”.
ولعلنا نتساءل هنا إلى أي مدى يتم تفعيل المفهوم السابق للمدرسة الفعالة ؟ وعن اى فعالية نتحدث؟ وهل بالفعل تساهم المدرسة في تنمية المهارات الحياتية وتتعامل مع المتعلمين دون تمييز وتكفل لهم جميعاً الحقوق التربوية المتساوية ، وتقدم خدمات تربوية تصل بهم إلى درجة الإتقان ، وتكفل للمتعلمين بيئة آمنة ومناخ اجتماعي مدرسي جيد؟.
إننا نتحدث عن تعليمنا الرسمي وعن مدارسنا الحكومية ، تلك المدارس خرجت النابهين والعلماء من أبناء الوطن بل أبناء الأمة في كافة المجالات ، ولهذا من المؤلم أن نرى تلك المدارس تتنازل عن أدوارها الحقيقية وتغيب عن المشهد نتيجة غياب الرؤية وغياب الهدف ، ان المدرسة الفعالة انعكاس للمجتمع الفعال ، وهى نتاج وضوح فلسفة التعليم ، ونتاج منظومة واضحة شعارها الإخلاص والعطاء من قبل كل المنتسبين إليها ، شعارها عمل الفريق ، قيادتها واعية تم اختيارها وفق ضوابط الكفاءة والنزاهة وطهارة اليد ، الجميع يعمل كما تعمل خلايا النحل ، يتفانى المجموع العام من أجل تربية الأجيال وإعدادها إعدادا تربويا وعلميا وثقافياً واجتماعياً.الخ .
ومع اقتراب بداية العام الدراسي 2016 / 2017 ننظر إلى مدارسنا في الوقت الراهن لنرى حالة الوهن قد سيطرت عليها، مباني تفتقد إلى التجهيزات اللازمة ، معامل فقيرة ، ملاعب لا تكفى لاستيعاب الأعداد بالمدرسة ، غرف المعلمين غير مجهزة ، حمامات لا تليق بالاستخدام الآدمي ، والمجموع العام يعانى من غياب العمالة الشابة في مجال النظافة، ولهذا غاب البعد الجمالي في الشكل وانعكس بدوره على الجوهر، نرى إدارة مدرسية تفتقد إلى خصائص القيادة الفعالة والتي من واجباتها :
• توفير بيئة مدرسية تحقق رؤية المدرسة ورسالتها
• تحقيق الاستقرار النفسي والرضا الوظيفي لأعضاء المجتمع المدرسي .
• توفير فرص مشاركة أعضاء المجتمع المدرسي في عمليات تطوير المدرسة.
• توظيف سياسة المدرسة وإمكاناتها من أجل تعميق الانتماء
• تحديد المسئوليات والأدوار التي تقع على عاتق كل فرد في المدرسة لتحقيق التطوير.
• تنمية قدرات ومهارات المرؤوسين ومساعدتهم على تنمية الجوانب القيادية لهم .
• بناء قاعدة معلومات جيدة عن المدرسة وتوفير نظم اتصالات فعالة.
• استخدام أساليب متنوعة لتقييم أداء المدرسة للارتقاء بمستوى الأداء
• تعزيز دور المجالس المدرسية والآباء وأعضاء المجتمع المدرسي كشركاء للتطوير.
• توظيف الصراعات داخل المدرسة بصورة ايجابية بهدف حلها وزيادة فعاليتها.
إذا أردنا إن نستعيد المدرسة الفعالة فلا بد من وضوح الفلسفة التعليمة ،ورصد الموازنات اللازمة للمدارس وللمعلمين ،وعلينا أن نعيد جسور التواصل بين كليات إعداد المعلمين وبين وزارة التربية والتعليم ، وأن يتم اختيار مدراء المدارس وفق معايير التميز الادارى ،كذلك معايير اختيار المعلم من لحظة الحاقة بكليات الإعداد إلى عمله كمعلم بالمدارس ، ولقد اطلعت بنفسي على تجريه كليات الإعداد بدولة السويد من خلال زيارتي لجامعة استكهولم أغسطس 2016 ، حيث يتم الإعلان عن وظائف للتدريس كمعلم مساعد بعض الوقت ، ومن يجد في نفسه القدرة يلتحق بالتدريس وهو مازال طالب يدرس في كلية التربية حتى يكتسب الخبرة ، وهذا النموذج جيد حيث يسمح للطالب المعلم المتميز بممارسة العمل واثبات ذاته ، وكذلك يجعله يستفيد مادياً من خلال عمله ، بينما لدينا نظام التربية العملية والتي تمثل الخبرة العملية الوحيدة خلال تواجد الطالب المعلم بكلية التربية والتي لا تسمح له في الغالب بأن يكتسب الخبرات المطلوبة لكي يصبح معلم بحق نظراً لغياب التعاون الحقيقي والفعال بين المدارس وبين الطلاب المعلمين ، وسيطرة شعور عام لدى العاملين في المدارس بأن تواجد الطلاب للتدريب إنما يمثل مضيعة للوقت وتهديد للجدول الدراسي .
من المهم أيضا أن نؤكد على أن المدرسة الفعالة هي التي تفتح أبوابها لتكون منفتحة على البيئة الخارجية ، ولهذا فإن تفعيل النشاط داخل وخارج المدرسة من الأمور المهمة، والتواصل مع أولياء الأمور من خلال مجالس الآباء التي غابت وغيبت وأضحت مجرد روتين بل وصل الأمر إلى أن تشكيل المجالس لم يعد يتجاوز فريق الإدارة مع بعض المعلمين من نفس المدرسة في غياب تام لأولياء الأمور وذلك لأن الانطباع السلبي يسيطر على أذهانهم ، وأن حضورهم إلى المدرسة يرتبط بالتبرع والإنفاق على متطلبات المدرسة .
اذا كنا بحاجة إلى خريج منتمى لنفسه ولمدرسته ولمجتمعه ولوطنه، فإننا بحاجة ماسة الى تطهير منظومة التعليم من كل الشوائب ، ولعل الضمير هو المتطلب الرئيس لمهنة الأنبياء والرسل ، ولعل إدراكنا الحقيقي أن المدرسة الفعالة هي واحة التربية الحقيقية التي فيها ومنها تصدر السعادة وفيها يتعلم المتعلم معنى الانتماء الحقيقي ، وفيها يمارس المعلم القدوة دوره فى تربية الأجيال التي تعى معنى الوطن وتعرف قيمته ، ان المدرسة الفعالة هى العامل الفعال والمدير الفعال والمعلم الفعال والادارى الفعال ، هى الطالب المتعلم الفعال ، هى المنهج الفعال بكل عناصره ، بأهدافه ومحتواه وطرق تدريسه ووسائله التعليمية وأنشطته التعليمية وتقويمه الفعال ، إننا في حاجة إلى أن نعى معنى التقويم وآليات تنفيذه وانه ليس ورقة الاختبار نهاية العام ، انه ممارسات المتعلم التي يرصدها المعلم والأخصائي والمدير ، انه الحكم الجمعي على سلوكيات المتعلم ، بل هو رأى المتعلم فى تلك المنظومة سلباً او إيجابا ، إن التقويم ليس الحكم على المتعلم فقط وإنما حكم المتعلم على المدرسة وعلى منظومة التعليم حتى نحقق الاحترام المتبادل ، وفى النهاية فإن سوق العمل يجب أن يتوافق مع المنهج التي تدرس حتى نحقق المعنى الحضاري لدور المدرسة وحتى نحقق الوصل الحقيقي بين مدارسنا وبين المجتمع بكل مؤسساته لكي تكون المدرسة فعالة قولاً وفعلاً ، وليشهد على ذلك أبناء المجتمع ، ليكون لسان حال الجميع تلك مدرستنا نعتز بها ونفخر بها ونتعاون معها بعد تخرجنا ، هذا ما نرجوه لكي نستعيد الفعالية ولتكون المدرسة فعالة والى أن يتحقق ذلك نحتاج إلى صدق الرؤية وصدق العمل وحسن الاختيار، والقضاء التام على منظومة الفساد بشتى أنواعها وألوانها