الجمعة , نوفمبر 22 2024
مجدي خليل
مجدى خليل

الطعن على عدم دستورية قانون بناء الكنائس .

مجدى خليل
هناك من يمنون أنفسهم بأن الطعن على عدم دستورية قانون بناء وترميم الكنائس يمكن أن يأتى بنتيجة تؤدى إلى الغاء القانون، وأنا لا أوافقهم هذا التفاؤل المزيف مطلقا لأسباب كثيرة منها.

أولا: هناك جدل دستورى معتبر لا يمكن تجاهله يكمن فى أن القانون صدر لإستيفاء متطلبات دستورية تمثلت فى المادة ٢٣٥ من الدستور الحالى، معتبرة أن صدور القانون هو إجراء ضرورى مكملا للإستحقاق الدستورى، ومن ثم فأن هناك مشروعية دستورية يمكن الإرتكان إليها فى إثبات دستورية القانون.

ثانيا: هناك من يطعن على دستوريته بإعتباره قانونا تمييزيا يخالف عدة مواد تتكلم عن المساواة فى الحقوق والواجبات وكذلك فى حرية العقيدة، ونسى هؤلاء أن هناك مادة حاكمة متصدرة الدستور منذ عقود وهى المادة الثانية والتى تتحدث عن الإسلام وعن الشريعة كمصدر رئيسى للتشريع، ولا ننسى أن فتحى سرور قد وصفها من قبل بأنها مادة فوق دستورية وقال أنه من ثوابت الأمة النظام الجمهورى والمادة الثانية، ولا ننسى أن مداولات صياغة هذه المادة جاء فيها أنه على المشرع أن يبحث فى الشريعة أولا نصا أو قياسا قبل أن يلتجأ إلى مصادر أخرى، ومن ثم فأن هذه المادة تعطى مشروعية دستورية للتمييز بين الأديان وبين المواطنين. وهناك عشرات الأحكام الثابتة التى تقول أن القاضى ذهب مباشرة إلى هذه المادة متجاوزا القانون ومواد دستورية أخرى، والمثال الذى يحضرنى الحكم بردة محمد حجازى ونصر ابو زيد رغم عدم وجود قوانين للردة فى مصر، ورغم مخالفة ذلك لمواد شديدة الوضوح فى الدستور.

ثالثا: إذا تم النظر إلى هذاالقانون من منظور النظام العام فإن هذا القانون بالتأكيد دستورى، حيث أن كلا من النظام العام والمجال العام فى مصر إسلاميين، وفقا لما جاء فى عشرات الأحكام القضائية الباتة، اتذكر منها حكم محكمة النقض فى قضية نصر حامد أبو زيد على سبيل المثال.

رابعا: لا يمكن الطعن على دستورية القانون إلا بعد تفعيله على أرض الواقع، ووجود مشاكل واضحة أثناء تطبيقه، وحيث أن توفيق أوضاع الكنائس لا ينظر إليه إلا بعد سنة من الآن، فأنه عمليا قد يستغرق الموضوع عدة سنوات قبل الطعن على عدم دستوريته.

خامسا: يتوجب قبل التحويل للمحكمة الدستورية أن تقرر المحكمة أن القانون غير دستورى بناء على نزاع أمامها، ومن ثم يحتاج الموضوع إلى وجود قاضى ليبرالى وعادل ومستقل وشجاع يحيل هذا الموضوع إلى المحكمة الدستورية، والسؤال أين هو هذا القاضى؟، وهل يجرؤا قاضى على أن يزايد على الدولة والكنيسة معا وكلاهما سعيدتان بهذا القانون؟.

سادسا: هناك من يطعن على القانون من زاوية رفض تيار كبير من المجتمع القبطى للقانون، وهذا الأمر مردودا عليه بأنه لا يوجد قياس حتى الآن لرفض الشارع القبطى له، وما يمكن قياسه يثبت العكس، فلم يتحدث فى الجلسة العامة فى البرلمان التى ناقشت مشروع القانون سوى أثنين من النواب الأقباط وقالوا كلاما باهتا ضعيفا، فى حين أن ٣٤ نائبا قبطيا التزموا الصمت عند التصويت على القانون، مما يعنى موافقة كاسحة من النواب الأقباط للقانون( على الأقل هذا هو المسجل فى مداولات ومضبطة القانون)، علاوة على موافقة الكنائس الثلاثة على القانون، وهى الممثل الرئيسى للأقباط منذ غزو العرب لمصر عام ٦٤٢ ميلادية، ومن ثم ما هو مقاس يقول عكس ما يطرحه هؤلاء.

سابعا:هناك جدل حول هوية مصر ،هل هى هوية مركبة أم هوية إسلامية، ومما هو مؤسف له أن معظم الناس فى مصر بما فيهم قضاة المحكمة الدستورية العليا يميلون للرأى القائل بإسلامية الهوية المصرية، وحيث أنهم بشرا وليسوا ملائكة فأنهم بناء على هذه القناعات لا يرون غضاضة فى صدور قانون لبناء الكنائس حتى ولو كان هذا الموضوع مخالفا لمواد دستورية أخرى.

ثامنا: لنفترض أن الموضوع قد مر بسلاسة وتم تحويله إلى المحكمة الدستورية العليا للنظر فى دستورية القانون، فمن قال للمتفائلين أن المحكمة ستحكم بعدم دستوريته؟…. يمكن للمحكمة أن تحكم بدستورية القانون وخاصة وأنها ليست بعيدة عن التسييس…ولكن المتوقع بنسبة كبيرة جدا أن تعلق المحكمة القضية وتضعها فى الادراج ولا تنظر اليها مطلقا… ولدينا سابقة منذ حوالى عشر سنوات وهى قضية تتعلق بعودة الكثير من الحالات إلى المسيحية بعد تحولها إلى الإسلام، وقبل أن يتحول الموضوع إلى ظاهرة تم تحويل القضية إلى المحكمة الدستورية العليا، ورغم وضوح القضية أكثر بكثير من قانون بناء الكنائس فأن المحكمة الدستورية وضعت الطعن على الرف ولم تنظر إليه حتى الآن.

وقد أستمعت بنفسى لرئيس المحكمة الأسبق، الدكتور عوض المر، فى جمعية النداء الجديد بالقاهرة قال أن هناك العديد من الطعون التى لم نلتفت إليها حتى لا نسبب حرجا للدولة بالحكم بعدم دستوريتها…قال هذا عوض المر رحمه الله وكان شخصية قانونية مرموقة ومحترمة، فماذا يمكن أن يحدث فى ظل وجود أمثال عدلى منصور والذى قال فى خطاب عام أن ما يحكم علاقتنا بالأقباط هو العهدة العمرية.

تاسعا: أن الأزهر المسئول دستوريا عن كافة الشئون الإسلامية رفض القانون الموحد لبناء دور العبادة معتبرا أن مصر كلها مسجدا للمسلمين، ووافق على قانون خاص لبناء الكنائس، وقد جاء ذلك فى بيان رسمى نشره بيت العائلة الذى يرأسه شيخ الأزهر عند طرح موضوع القانون الموحد أثناء وزارة عصام شرف، ومن ثم فأن المسئول الأول وفقا للدستور عن تفسير كل ما يتعلق بالدين الإسلامى أدلى برأيه فى هذا الشأن، وهذا بالتأكيد يعزز دستورية القانون.

وأخيرا: يمكن الحكم فى الطعن بعدم الدستورية فى حالة واحدة فقط وهى رغبة الدولة فى التخلص من القانون لسبب أو لآخر، وقتها ستسخر كل شئ للحكم بعدم دستوريته.
والسؤال إذا كان الموضوع هكذا فلماذا يسعى البعض لهذا الأجراء؟.
بعضهم يحكمه التفاؤل الساذج، والبعض الآخر من آجل الشو الإعلامى، والبعض الثالث يقول لنفسه يجب أن نطرق كل الأبواب وهم محقون فى ذلك، وهناك مجموعة تحركها الدولة نفسها لأسباب تتعلق بالهاء الناس عن البديل الحقيقى لرفض القانون.
ويبقى السؤال الآخر
ما هى البدائل الحقيقية لرفض القانون؟
هذا ما سوف ننناوله فى مقال آخر.

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

قومى استنيرى

كمال زاخر رغم الصورة الشوهاء التى نراها فى دوائر الحياة الروحية، والمادية ايضاً، بين صفوفنا، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.