الدكتور / صلاح عبد السميع عبد الرازق
الوطن في اللغة هو المكان الذي يسكنه الإنسان ويقيم فيه، وكما ورد في مختار الصحاح: الوطن محل الإنسان.و الوطن اصطلاحا هو البلد الذي تسكنه أمة يشعر المرء بارتباطه بها وانتمائه إليها.
إذن الوطن لا يعنى فقط محل الإقامة وإنما يعنى شعور الإنسان بالانتماء والارتباط النفسي بالمكان وبالأرض ، إن الوطن يعنى الألفة التي تتشكل لدى الإنسان وهو ما زال طفلاً لم تتكون لديه الخريطة المعرفية بالمكان ، ومع مرور الوقت يكبر هذا الطفل وينتقل من بيئة إلى أخرى داخل الوطن فإذا به تعاوده ذاكرة الحنين إلى المكان الذي ولد فيه ، ولعل قيمة المكان ليست فيما يحتويه من موارد وإمكانات ، وإنما تنطلق تلك القيمة من معنى مهم للغاية يؤسس عليه مفهوم الوطن ، ألا وهو الأمان ، ذالك الشعور الذي يجعل الطفل أكثر سعادة وهو بين أهله ، وهو نفس الشعور الذي يتملك الكبار عندما تدفعهم الغربة والابتعاد عن الوطن لسنوات ، ثم سرعان ما يعود الطائر إلى وكره ، يعود المسافر إلى دياره وبيته ، هنا يستشعر معنى الوطن وإذا به يستدعى ذكريات الطفولة والتي يشعر معها بسعادة لا يقدرها إلا من عاشها واستشعر معناها .
إن مفهوم الوطن ليست كلمات تردد هنا وهناك ، وليست شعارات ترفع فى وسائل الإعلام ، وليست علماً يرفع على المؤسسات ، إن المعنى أكبر وأعمق من المظاهر وان كانت المظاهر مؤشرا على الحضور ولكنه قد يكون حضوراً بلا معنى وبلا روح وبلا انتماء .
الوطن يعنى العطاء والإيثار والحب بين أبناء المجتمع ، عطاء الأب والأم للأبناء ، عطاء المعلم لطلابه دون انتظار لمكاسب مادية ، عطاء العالم ورجل الدين ، عطاء الطبيب الذي جعله المولى سبحانه وتعالى سببا من أسباب للشفاء، ولهذا شعاره دوماً الرحمة بالمرضى ، عطاء رجل الأمن الذي من واجبه أن يحفظ الأمن ويوفر آليات تحقيقه لأبناء المجتمع ، عطاء الفلاح والصانع والتاجر ، تلك الأيدي التي تعمل ليل نهار من أجل نهضة المجتمع وريادة الوطن .
وهنا أود أن أشير إلى أن الوطن معنى يستقر في النفس ويبقى في القلب والخاطر ولا يمكن لأي قوة مهما كانت أن تجعل من استقر في وجدانه ذلك المعنى أن يتراجع عن الانتماء لهذا الوطن .ولعل العامل الرئيس لكي نؤصل معنى الوطن قولاً وفعلاً يتمثل في تعميق معاني الانتماء ومنها اللغة الأم التي يجب احترامها وتقديرها وعدم التنازل عنها ، وكذلك يتحقق معنى الوطن في العقول والقلوب عندما يعتمد أبناء الوطن على مواردهم البشرية والطبيعية لكي ينتجوا غذائهم، ليمتلكوا ناصية القرار ،ولينسجوا ما يلبسون ، هنا تنظر إلى عيون أبناء الوطن فتكون الفرحة شعاراً يرفع عندما يسعد الوطن ، وعيون تبكى عندما يبكى الوطن وتحيط به الشدائد ، هنا ترى الانتماء والارتباط بالأرض ، لن ترى من يهرب ويهاجر ، سوف ترى من يرابط ويدافع عن وطنه ويبذل من أجله الغالي والنفيس .وكما يقال في الأمثال ”
لا تسعد الأوطان إلا بثلاث :
حاكم عادل
وعالم ناصح
وعامل مخلص
وليستقر مفهوم الوطن في النفوس والقلوب على أبناء الوطن أن يستشعروا معنى الحرية والتي لها معان ذات بعد حضاري ، وكما يقال في الأمثال :
حيث تكون الحرية يكون الوطن
لا حرية لشعب يأكل مما لا ينتج
لا حرية لشعب يلبس مما لا ينسج
لا حرية لشعب يشرب مما لا يعصر .
اللهم أحفظ أوطاننا ويسر لها سبل الخير لتبقى شعاراً نرفعه بعزة ، وندافع عنه بقوة، ونتمسك بها وان ملكنا الدنيا وما فيها ، لتبقى الأوطان واحة للأمان الشعوب ، ومنابر الحرية و الخير للشعوب .
الوسومصلاح عبد السميع عبد الرازق
شاهد أيضاً
تفاصيل الحكم النهائي الصادر في حق القاضي قاتل زوجته “المذيعة شيماء جمال”
أمل فرج أصدرت محكمة النقض المصرية، الاثنين، حكمها النهائي بإعدام المتهمين أيمن عبد الفتاح، و …
هذا فكر مستنير يعكس انتماء وطني من الدرجة الأولي بكل معاني الانتماء والوطنية بأسلوب علمي متمكن ورائع ولغة عربية رصينة تفتقد اليها الأجيال الحالية…كل التحية والتقدير للزميل المبدع كعادته أ.د. صلاح عبد السميع مع تمنياتي بالتوفيق وحفظ الله مصرنا الحبيبة من كل مكروه اللهم آمين