نادية خلوف تكتب : “تسمع بالمعيد أفضل من أنتراه”
16 مايو، 2016 مقالات واراء
في الوطن العربي الكبير يوجد سوق للنّخاسة يشمل كل النّشاطات الإنسانية ، ومن بينها الإعلام ،الأدب، والفن. لم تترك لك وسائل التّواصل الاجتماعي أيّ خيار في أن تبحث عن كتاب تقرأه ، وتكتب بحثاً عنه، لو أعطيت فكرة إيجابية عن الكتاب سيهجم عليك معارضوه الذين لا يقرؤون ، ويدخلون على صفحات التّواصل بأسماء وهمية يشبعونك فيها لطماً وشتماً ، ولو ذكرت شيئاً سلبياً سيكون لك نفس النّصيب.
يكشف العالم الافتراضي الإنسان، أنت تعرف الأشخاص حتى لو لم تراهم.لم يعد رجل الأمن يحتاج لمخبر، يمكنه دخول صفحتك ومعرفة كل توجّهاتك، وحتى لو كانت هويتك وهميّة فإنّ البصمة اليوم ليست فقط للإصبع بل هناك قراءة الخطوط الشفوية ، والمكتوبة .
قبل عشر سنوات أو أكثر كانت موضة التّشدّق فلو ظهر أحد الإعلاميين على التّلفاز ، وتلاعب بالألفاظ لكانت شعبيته قد طغت على الجميع، ولو ظهر كاتب قال بضع كلمات لأصبح مقدّساً، ومع هذا كان هناك بعض النّقاد، والباحثين الذين كتبوا عن الشعراء والكتّاب ، والفنانين ، أو غيرهم بشكل موضوعي.
نعيش اليوم في عصر عبادة الفرد. نعبد الرئيس الرّمز، والشّاعر، والمطرب، والكاتب حسب موقفه السّياسي ، فهناك شعراء يعتبر المس بأيّة كلمة من قصائدهم هو نوع من الكفر، وتضع النّاس شعرهم على صفحات التواصل سواء كانت مع توجّهك السّياسي، أو ضدّه .
انتشرت ظاهرة أخرى وهي محاولة الوصول إلى الهدف المادي ليس عن طريق منافقة الأنظمة فقط. بل عن طريق النّفاق الدّيني، فأحدهم يرغب في ابتكار قصة يقرأها مموّل إسلامي ، ويكون مقيماً في الغرب ، يكتب عن العنصريّة ضدّ الإسلام أو العرب، ولو تابعت منشوراته لعرفت أنّه لو ملّكته العروبة والإسلام لما عاد إلى وطنه ، أو يتحدّث أحدهم وهو علماني عن المؤمن الفلاني الذي هو نموذج للإنسان الكامل.
كان التّسوّل في الماضي يتمّ بطريقة مباشرة، أو عن طريق بيع العلكة، والكبريت، وقد أصبح اليوم عن طريق كتابة مقالات على المواقع ، أو الصّحف الورقيّة وهي تؤتي أكلها.
ليس ذلكجميل ، لكن الأسوأ منه هو استمرار التّشدّق عند بعض الإعلاميين ، وغيرهم ، وهم لا يتغيّرون إلا بعناية إلهيّة ، يقومون بكتابة نفس الدّيباجة، و يعبرّون بنفس حركات الوجه التي أعجبتنا مرّة ثم ندمنا لأنّها أصبحت تطلّ علينا صباح مساء.
نتحدّث عن أشخاص حقيقيين نعرفهم على وسائل التّواصل، وكنّا نكنّ لهم الاحترام لأنّنا لم نقرأ أفكارهم القريبة منّا ،لكنّهم سقطوا في نظرنا. البعض له عشرات الآلاف من المتابعين الذين يعلنون عن أنفسهم ،وربما أكثر منهم من الذين يتابعون دون أن يظهروا أنفسهم ويستسخفون بالفكرة .
الفنّ، والأدب يقدّم الجمال، ومن خلال هذا الجمال ينقل الواقع ، ولو أردنا أن ننقل الواقع اليوم لرسمنا متسولين في طرقات الوطن العربي بعضهم يتسوّل بالدين ، البعض من خلال إنشاء جمعيات خيريّة، البعض بحقوق الإنسان، أو القوميّة ،البعض بالأدب والفن، ولا يمكن الاستمرار في التّسول إلا من خلال مجموعة توزع أماكن التّسول . ليتنا بقينا نسمع عن هؤلاء المتسولين دون أن نقرأ لأفكارهم اليومية، ونتعرف على دواخلهم.