الإثنين , ديسمبر 23 2024
الكنيسة القبطية
د.ماجد عزت إسرائيل

التعليم والتربية عند الأقباط .

د.ماجد عزت إسرائيل

المعروف عند الأقباط أنه ساد بينهم على مر العصور التاريخية،هذا الشعار فى شعورهم بواجبهم نحو أبنائهم “علموهم ولا تورثوهم”، كان دائما أمام عيونهم فى سماء علاقاتهم بأولادهم،فلا يعنيهم أن يرث أبناؤهم من بعدهم

عقاراً أو مالاً بقدر ما يعنيهم أن يعلمهم فناً أو مهنة أوحرفة تحميهم ضد العوز والحاجة والفقر،وهو شعار حكيم

لبناء التنمية الذهنية وتحقيق الانعاش الاقتصادى ،والازدهار الاجتماعى والاستقرار الاجتماعى و النفسى

كما كان معروف عند القبط شغفهم بالتعليم والتعلم لاسيما فى العصور المظلمة التى قاسوا الكثير أثناءها

حيث كان السلاطين والولاة فى بعض الحقب السوداء من تاريخنا الطويل ،يصادرون كل ما بيدهم من مال

وعقار،فكان القبطى يوصى ولده قائلاً:

“إن الشىء الوحيد الذى لا يستطيع الحاكم اغتياله والاستيلاء عليه هو عقلك وصنعتك”

من ذلك نشأ اهتمام القبط بتعليم أبنائهم لأنه بمثابة التعليم الاجتماعى.

وقد حافظ الأقباط على تراث أجدادهم الفراعنة بتوارث تعاليمهم الحكيمة، التى تسعى إلى التعلم والثقافة

والتربية الصالحة،ولعل أصدق ما جاء فى هذا التراث على لسان بتاح حتب قائلاً

“اجعل نفسك موزوناً على منهاج معلميك” مشيراً إلى أهمية احترام المعلم،أما فيما يتصل باحترام الأم

فقد جاء فى هذا التراث”أوصيك بأمك التى حملتك،فهى التى أرسلتك إلى المدرسة حتى تتعلم الكتب

وهى التى تشغل نفسها بك طوال النهار”،وفى دعوة للحوار والبناء مع الآخر ذكر أيضًا “لا تكن مغتراً

بعلمك ولا تأمن لكونك من المتعلمين تشاور مع غير المتعلم ،كما تشاور مع المتعلم فحدود العلم

لا يمكن الإحاطة به”وفى مذكرات يرجع تاريخها إلى القرن 27 ق.م لأحد النبلاء ذكر قائلاً”إنى لم أكذب.

وقد كنت محبوباً من أبى.ممتدحاً من أمى،وصاحب سلوك ممتاز مع أخى.شفوقاً على أختى”

وكانت المدرسة فى ذات الحقبة ملحقة بالمعبد،ومعلميها من رجل الكهنة

وطلابها من البنات والبنين،وملابسهم موحده،ويتلقى المتعلم

فيها أساسيات المعرفة من المعلومات وبعض النصوص الأدبية والأنشطة البدينة،وتوجد مكتبة مزودة بالمخطوطات

والوثائق كانت تعرف بـ”دار الحياة” وهى مصدر للبحث العلمى، ومن لم يسعده حظه فى التعليم،

فكان يتعلم من والده حرفة مثل الرعى والزراعة أو الصناعات البدائية.

على أية حال،منذ أنتشار المسيحية فى عام 60 م بمصر،ومع تأسيس أول كنيسة قبطية بمدينة الإسكندرية

على يد القديس “مارمرقس“،تأسست أيضًا أول مدرسة لتعليم أبناء الأقباط وكانت ملحقه بذات الكنيسة

ويلتحق الطفل من الجنسين بها فى الخامسة من عمره مجاناً أى بدون رسوم مالية

ويتعلم فيها الطلاب اللغة المستخدمة فى التعلم، فقد تم تبسيطها لتصبح أبجديتها مكونة من25 حرفاً يونانياً

مضافاً إليها سبعة أحرف من اللغة المصرية القديمة ،وكان ذلك إيذاناً بظهور الأبجدية القبطية على يد “بنتينوس”

فى أواخر القرن الثانى الميلادى، كما كان الطالب يدرس تعاليم الكتاب المقدس

ويحفظ المزامير والألحان الكنسية،بالإضافة لتعلم الحساب ،واللغة اليونانية حتى القرن الثانى الميلادى،

وبعدها أصبحت اللغة القبطية لغة الدراسة مع كونها اللغة الرسمية للبلاد حتى الغزو العربى

(641م)،وفى المرحلة التخصصية من التعلم يدرس الراغب فى وظائف الكهنوت أو الشموسية أو الوعظ

بالمدارس اللاهوتية،أما التعليم العالى فكان يتم على يد أساتذة وآباء نجحوا فى الجمع ما بين العلم والدين

وكان الهدف من هذا التعليم التصدى للبدع والهرطقات مع تطوير أساليب التعليم القبطى فى أنحاء البلاد

هذا بالأضافة إلى التعليم بالأديرة القبطية لأعداد الرهبان حيث يتعلم الراهب القراءة والكتابة

ودراسات الكتاب المقدس والمزامير وسير القديسين، أى يعد إعداداً علمياً ؛ لتسلم التراث الرهبانى

وبفضل الأوقاف القبطية ساهمت الأديرة فى نشأة الكتاتيب القبطية فى كل بقاع مصر.

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.