الكاتب : مايكل عزيز البشموري
تشهد بلادنا الشرقية ، موجه من الصراعات الأهلية ، عملت على إضعاف المكونات المجتمعية المترابطة فيما بينها ، فالحروب المذهبية الذى شهدتها البلدان العربية بالسنوات الاخيرة ، تظهر لنا الصراع الخفى والغير معلن بين أصحاب المذاهب والطوائف الدينية المتناحرة ، والسبب الحقيقى وراء تلك الصراعات ، يندرج حول أياً من أصحاب تلك المذاهب له الأحقية فى الإمساك بزمام السلطة ؟ ومن ثم مَنْ سيسيطر على مقدرات الوطن ؟ إضافةً إلى ذلك سعى الحركات الأيدلوجية الخاصة نحو تطبيق مشروعها السياسي المعلن ، ومن أبرز تلك الحركات جماعة الاخوان المسلمين وغيرها .
وقد أضَّرت الصراعات الأهلية الذى نشبت بالسنوات الماضية ، وتحديداً بعد قيام ثورات الربيع العربى مؤخراً ، بإضرار جسيمة داخل مجتمعاتنا الشرقية ، الأمر الذى أدى لخلق حاجزاً نفسي كبير ، بين أتباع الطوائف المختلفة فيما بينهم .
فإذا تعلق الأمر بالسلطة كمثال ، ومن يدير شئونها ؟ فلابد للمرء منا الرجوع إلى طائفته ، القبيلة ، أو العشيرة التى ينتمى إليها ، للتشاور أولاً ، ومن ثم الآخذ بالرأى ، للإجابة عن فحوى هذا السؤال أو غيره .
هنا نرى أن أي أيدلوجية بتوجهاتها الدينية أو الفكرية الخاصة ، باتت تلعب دوراً محوري وهام فى صناعة وإتخاذ القرارات السياسية والمصيرية داخل بلادنا المستعربة ، وهو الامر الذى يدعونا للتساؤل : هل إنتهى صراع الحضّارات بين العرب والغرب كما يروج البعض وأصبحنا نعيش بزمن تعيش فيه الأيدلوجيات الدينية أزهى عصورها بشرقنا الأوسط الغير سعيد ؟
قبل البدء بالإجابة على السؤال علينا أولاً معرفة طبيعة الرجل الشرقى ، فالاديان الإبراهيمية الثلاث : ”اليهودية ، والمسيحية ، والإسلام “ ما زالت تلعب دوراً محورى فى حياة الانسان الشرقى ، سواء على المستوى الشخصى والعام ، وقد باتت تلك الاديان تفرض نفسها على حياة الفرد والمجتمع المحيط به بآنٍ واحد ، وهذا ما إستطاع الانسان الغربى تجاوزه ، نتيجة الثورة العلمانية ضد المورثات الدينية التقليدية ، ليتشكل بذلك نمط حياتى مغاير لطبيعة الانسان الشرقى ، فنرى إهتمامات أخرى للدول الغربية بعيداً عن الدين وإرهاصاته ، لينحصر الاهتمام على المواطن الغربى فقط ، فالعلمانية هنا عملت على سلامة وإستقرار المواطن ، بغض النظر عن لون بشرته ، دينه ، معتقده ، أو أيدلوجيته الفكرية الخاصة ، طالما هذا المواطن يخضع لقوانين تلك الدول ويحترم نظامها العلمانى ، وتلك الثقافة الغربية الحديثة كانت اللبنه الاولى فى تأسيس الاتحاد الأوربي ، ولم ينشأ هذا الاتحاد من فراغ ولكنه تأسس بعد مخاضٍ عسير ، تعايشته الشعوب والدول الأوروبية بعد نشوب حروب وإنقسامات كبيرة شهدتها تلك البلدان إثر الحربين العالميتين الاولى والثانية ، فكان الضامن الحقيقي لتماسك وترابط هذا الاتحاد ، هو المبادئ العلمانية التى قامت عليها ، فبالرغم من تعدد اللغات والقوميات والمعتقدات الدينية داخل القارة الأوروبية إلا أن العلمانية استطاعت توحيد شعوب تلك القارة العجوز تحت لواءها ، عكس البلدان العربية وشعوبها ، الذين يدينون بدينٍ واحد وكتابا واحد ولغة واحدة ، وبالرغم من ذلك نراهم منقسمين ومتحاربين فيما بينهم .
ومن هذا المنظور يتضح لنا ان صراع الحضارات ، بات مصطلح مجازى لا دخل له بعالمنا العربى ، فقّد روج المنظّر والأكاديمي الأمريكي ”صمويل هنتنغتون“ ، فى مقاله الشهير “صدام الحضارات” والتي نشرتها مجلة فورين أفيرز الأميركية في أحد أعدادها عام 1993، وقد شدّد فيه على أنّ “صدام الحضارات يمثّل التهديد الأكبر للسلم العالمي، والتوصّل إلى نظام عالمي يستند إلى الحضارات يوفر الوسيلة المثلى لمنع نشوب حرب عالمية”. فبمنظورى الخاص وبحسب المعطيات التى نراها على الارض ، نستطيع القول بأن اطروحات الكاتب الامريكي غير دقيقة ولا تتماشى مع واقعنا الشرقى ذات الملامح الاسلامية ، فالعرب غير مؤهلين علميا ، ثقافيا ، اقتصاديا ، أو تكنولوجيا لمناطحة أصحاب الحضارات الاخري المتقدمة فى كافة العلوم الدنيا ، فالصراعات التى تشهدها البلدان العربية اليوم ، تعايشتها من قبل الدول الأوربية بالماضى ، ومرت من خلالها بتجارب مؤلمة ومريرة ، فما كان بتلك الدول سوى تبنى التجربة العلمانية لكى تتعايش شعوبها بسلام ، وهذا يعكس لنا مدى تباطئ العالم العربى بعدم قدرته على قراءة التاريخ والاستفادة من تجارب الاخرين .
والسبب فى عدم التفاف العرب نحو التجربة العلمانية والنموذج الغربي ، يرجع لشيوخ المسلمين وعلمائهم الذين يعتقدون بأن الفكر العلمانى ضد الاسلام ذاته ، فالفكر الإسلامى يتلخص كالاتى : ”الاسلام هو دين ودولة “ ، عكس العلمانية التى تفصل بين أداء الدين عن الدولة ، وبالتالى أصبحت العلمانية بالنسبة لأغلب شيوخ المسلمين خصماً لدود ضد ايدلوجيتهم الدينية ، فهم يعتقدون بأن دولة الاسلام لا بد ان يحكمها وينظم شئونها الشريعة الاسلامية كمصدر أساسى للتشريع . وعلى هذا الأساس يتم التعامل مع الأقليات الغير سُنية ؛ مثل الاقباط والسريان والكلدان والبهائيين والشيعة وغيرهم فى البلاد التى ينص دستورها صراحتاً التعامل بنصوص الشريعة الاسلامية ، و تُعامل تلك الأقليات كأهل ذمة وليس كمواطنين درجة أولى ؛ مثال : أشـاد المستشار / عدلى منصور ، الرئيس المؤقت لمصر بعد ثورة 30 يونيو ، بإحدى المناسبات الدينية ، عن دور وأهمية العهدة العمرية إبان الغزو العربى لمصر ، فقّد وصف سيادته شروط تلك العهدة بالعادلة والمنصفة والتى جاءت طبقاً لإحكام الشريعة الاسلامية ، وهو الامر الذى جاء معاكساً لتصورات المؤرخين والمفكرين بهذا الصدد ، فيرى أغلب المؤرخين ان العهدة العمرية بشروطها المتشددة ، كانت مخزية ومذلة لأصحاب الارض من المسيحيين ؛ فأشترط بها : ” دفع الجزية أو القتل أو اعتناق الاسلام ، وأن لا يحدث الاقباط في مدنهم ولا ما حولها ديرا ولا صومعة ولا كنيسة ولا قلاية لراهب ولا يجددوا ما خرب ولا يمنعوا كنائسهم أن ينزلها أحد من المسلمين ثلاث ليال ويطعمونهم ولا يأووا جاسوسًا ولا يكتموا غش المسلمين ولا يعلموا أولادهم القرآن ولا يظهروا شركا ولا يمنعوا ذوي قرابتهم من الإسلام إن أرادوه وأن يوقروا المسلمين وأن يقوموا لهم من مجالسهم إذا أرادوا الجلوس ولا يتشبهوا بالمسلمين في شيء من لباسهم: من قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر ولا يتكنوا بكناهم ولا يركبوا سرجا ولا يتقلدوا سيفا ولا يتخذوا شيئا من سلاحهم ولا ينقشوا خواتيمهم بالعربية ولا يبيعوا الخمور وأن يجزوا مقادم رءوسهم وأن يلزموا زيهم حيث ما كانوا وأن يشدوا الزنانير على أوساطهم ولا يظهروا صليبا ولا شيئا من كتبهم في شيء من طريق المسلمين ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم ولا يضربوا بالناقوس إلا ضربا خفيا ولا يرفعوا أصواتهم بقراءتهم في كنائسهم في شيء في حضرة المسلمين ولا يخرجوا شعانين ولا يرفعوا مع موتاهم أصواتهم ولا يظهروا النيران معهم ولا يشتروا من الرقيق ما جرت عليه سهام المسلمين. فإن خالفوا شيئًا مما اشترط عليهم فلا ذمة لهم وقد حل للمسلمين منهما يحل من أهل المعاندة والشقاق “ .
وعلى هذا الأساس وحسب ما جاء فى تلك الوثيقة التاريخية تعامل العرب والمسلمين مع الاقباط وغير المسلمين كأهل ذمة طيلة الف عام ، وهناك أشخاصا مازالوا يعيشون بعقلية الماضى يسعون لتطبيق ما جاء بفحوى تلك الوثيقة بعصرنا الحديث ، فالاقباط بنظر هؤلاء المتطرفين ليس لهم دوراً فى المجتمع والدولة ، وبالتالى أصبحت الكنيسة تدريجياً وصية عن رعاياها مثلما كان يحدث بالماضى البعيد ، فالعلاقة التى كانت تربط بطريرك الكنيسة بالوالى العربى ؛ كان يجمعها الخراج والجزية التى يدفعها الاقباط للغزاة العرب ، فإذا أراد الحاكم رفع قيمة الجزية ، كان يُخطر البطريرك وقتئذ ، ومن ثم يُخطر البطريرك القبطي شعبه برفع قيمة الجزية ، وكانت الكنيسة بدورها تقدم الجزية للمستعمر العربى ، وإذا لم يكن بمقدور الشعب تقديم المبلغ المطلوب للحاكم ، كان يتم نهب وتدمير الكنائس القبطية وسرقة محتوياتها ، فيذكر لنا التاريخ انه كان يوجد فى مصر أكثر من ستون الف كنيسة ودير وتم نهب وتدمير معظم تلك الكنائس والأديرة ، ولم يتبقى من تلك الكنائس الان سوى عدد ضئيل يعد على الأصابع .
وهكذا تم إستبعاد الشعب القبطى عن المشهد الوطنى لتمثل الكنيسة القبطية وصايتها لتمثيل شعبها أمام المحتل العربى ، واستمر ذلك الوضع على هذا المنوال طيلة الف ومائة عام تقريباً ؛ منذ ابتداء الغزو العربى لمصر ووصولاً بعصر المماليك ، حتى رسّت أخيراً سفينة القائد الالبانى محمد على باشا وابنه البكر ابراهيم باشا بشواطئ الاسكندرية ، لتبدأ مرحلة جديدة فى تاريخ مصر الحديثة .
للحديث بقية
الوسوممايكل عزيز البشموري
شاهد أيضاً
خالد المزلقاني يكتب : أوكرانيا وضرب العمق الروسي ..!
مبدئيا أوكرانيا لا يمكنها ضرب العمق الروسي بدون مشاركة أوروبية من حلف الناتو وإذا استمر …