الثلاثاء , نوفمبر 19 2024
مدحت موريس
مدحت موريس

الفستان الأزرق .

بقلم مدحت موريس 
لم يكن للقهوة تأثيرها، فمازالت رأسها ثقيلة والصداع لا يريد ان يبارحها وهذا ما جعل مزاجها متعكراً منذ استيقظت من نومها .

حاولت طوال الساعات الماضية الخروج من تلك الحالة سواء بمطالعة الصحف والمجلات او مشاهدة التليفزيون او بالجلوس امام الكمبيوتر الا ان جميع محاولاتها باءت بالفشل وظلت فريسة حالتها المزاجية الغير صافية.

جلست على مقعدها المفضل بغرفة المعيشة ، ارخت ظهرها واغمضت عينيها واسترخت تماماً وافردت امام عيونها المغلقة شاشة عرض لما يدور بعقلها فتجرى مشاهد متعددة ليومها السابق حتى نومها واستيقاظها ثم لحظتها الحالية….قطبت جبينها فعبس وجهها وهى تتذكر مشاهد غريبة عليها ثم فتحت عينيها وهى تتذكر مقاطع مشوهة غير واضحة لذلك الحلم الذى رأته فى ليلتها الماضية، تنهدت وتنفست بعمق بعدما توصلت للسبب الذى اوصلها لتلك الحالة…

فهى – طوال عمرها – لا تعرف الاحلام خلال نومها الا فيما ندر واذا حدث ورأت احلاماً فعليها ان تحتمل صداعاً وحالة مزاجية سيئة طوال اليوم بصرف النظر عن كون الحلم سعيداً او العكس وعلى اى حال فهى مع – ندرة احلامها – لا تتذكر منها شيئاً فى اغلب الاحوال. شعرت بارتياح نسبى وحاولت – وهى تعد لنفسها القهوة الثالثة هذا الصباح- حاولت ان تتذكر ذلك الحلم واعتصرت ذاكرتها قدر استطاعتها ولم تتوصل الا لمشهد باهت لنفسها وهى ترتدى فستاناً ازرق ذو كُلفة بيضاء وتهرول داخل مستشفى كبير ثم تكتشف بُقعاً من الدم تتناثر فوق فستانها. بالكاد تذكرت المشهد الذى اقشعر له بدنها علاوة على كراهيتها للمستشفيات وشعورها الدائم بالانقباض منها ومن رائحتها.

تجاهلت الحلم مؤقتاً فأهم ما كان يشغلها هو سبب صداعها وتعكر مزاجها لهذا القت بالحلم او بالمشهد الذى تذكرته فى الجزء المعتم من ذاكرتها ومارست حياتها اليومية بصورة اعتيادية. كانت على موعد مع مكالمة تليفونية من زوجها الحبيب الذى اغترب وسافر للعمل بالخليج منذ اشهر قليلة من اجل اسرتهما الصغيرة وكالعادة كانت مكالمة حبيبين اكثر من كونها مكالمة بين زوجين…وضعت سماعة الهاتف واغمضت عينيها فى سعادة وهى تستعيد كلمات حبيبها خاصة فى الجزء الذى اخبرها فيه بارساله لها بعض الهدايا البسيطة مع صديقه الذى سيمضى اجازته السنوية بارض الوطن. لم تكن تتوقع هدايا زوجها خاصة وانه لم يمض وقت طويل على سفره وقد كان اتفاقهما على الاقتصاد فى المصاريف بقدر الامكان ولكن -على حسب قوله- فلنعش حياتنا ونتمتع بها …

كم انت رقيق المشاعر يا زوجى العزيز. مضت الايام مسرعة حتى جاء صباح تلقت فيه مكالمة من زوجة صديق زوجها تستأذنها فى زيارتها مساء نفس اليوم اما هى فلم تمانع بل ورحبت كثيراً بتلك الزيارة مثنية على اخلاق وذوقيات تلك الاسرة فعلاوة على تحملها حقيبة الهدايا فى رحلة الطيران – والكثيرون لا يبدون ترحيباً بذلك – فان تلك الاسرة الكريمة الاخلاق تتطوع باحضارها حتى منزلها….مازالت الدنيا بخير. فى مساء نفس اليوم دق جرس الباب واسرعت ترحب بالضيوف ولم يكن الضيوف سوى زوجة الصديق حاملة معها حقيبة متوسطة الحجم ….

اتسعت عيناها وهى تبصر الحقيبة التى كانت اكبر مما توقعت. مرت لحظات ارتباك ابدت بعدها ترحيباً كبيراً بضيفتها التى امضت اكثر من ساعة فى تلك الزيارة كانت جلسة ظريفة اعتذرت فيها السيدة عن عدم حضور زوجها معها حيث انه مضطر للبقاء مع والدته التى ستجرى لها عملية جراحية فى صبيحة اليوم التالى…وكنوع من المجاملة ابدت – هى –

اهتماماً كبيراً بالامر واصرت على معرفة اسم المستشفى التى ترقد بها والدة الصديق. انفردت – اخيراً – بالحقيبة وانهمرت دموعها تأثراً من رقة مشاعر زوجها الحبيب وايضاً لذوقه الرفيع فى اختيار الملابس والعطور الراقية فسارعت الى الهاتف تشكره وتبثه عواطفها ومشاعر حبها اما هو وبعدما تلقى مكافأته فقد طلب منها ان ترد الجميل لصديقه بأن تقوم بزيارة والدته فى المستشفى فستكون لزيارتها وقعاً طيباً على الصديق واسرته….

لم تمانع الزوجة على الرغم من ثقل زيارات المستشفيات بصفة عامة عليها الا انها رأت ان هذا واجباً لا يمكنها التنصل منه. حرصت ايضاً على التواصل مع زوجة الصديق فى الايام التالية حتى اذا ما كانت حالة والدة الصديق قد تحسنت فانها ستقوم بزيارتها على الفور….وبالفعل اتفقت مع زوجة الصديق على الالتقاء فى المستشفى بعد ساعتين قامت خلالهما بشراء شيكولاتة فاخرة والتوصية بارسال باقة من الزهور تصل المستشفى قبل وصولها مباشرة….

ثم عادت للمنزل وفى ذهنها ان تكون اكثر اناقة كواجهة طيبة لزوجها واختارت ارتداء فستاناً رقيقاً ارسله زوجها العزيز….تأنقت وتألقت وخرجت تستقل سيارتها متجهة الى المستشفى وهى ترتدى فستانها الازرق الجديد ذو الكلفة البيضاء.!!!!!!!!!!!!! قادت سيارتها كعادتها بتعقل وهدوء وحاولت ان تتذكر المرة الاخيرة التى وطأت فيها قدماها اى مستشفى فلم تتذكر ثم ابتسمت

عندما اتتها الاجابة من حيث لا تدرى بأن زيارتها الاخيرة لمستشفى كانت فى الحلم……اهتزت عجلة القيادة تحت يدها وانحرفت السيارة قليلاً حتى كادت تصطدم باخرى فى الاتجاه المعاكس..لكن الله سلم الا من سباب قائد السيارة الاخرى. توقفت امام احد الكازينوهات الكبيرة دخلت وجلست وهى مرتبكة، طلبت مشروباً بارداً واختارت الكركديه فهى تعلم انه يخفض الضغط ويهدىء الاعصاب….

امسكت الكأس بيد مرتعشة وشربته على رشفتين وفى دقائق دفعت الحساب وخرجت متجهة للمستشفى…تأخر بها الوقت لكنها لن تقود السيارة بسرعة…ركنت سيارتها، اتجهت داخل المستشفى حيث كانت زوجة الصديق تنتظر فى قلق، اعتذرت عن تأخرها بينما شكرتها المرأة على باقة الزهور. كانت المرأة العجوز راقدة فى فراشها لكنها بدت متعافية تماماً…دخلت هى فى هدوء، قبلتها فى جبينها وحيت صديق زوجها الذى كان ينظر اليها بامتنان واشار لها لتجلس على مقعد بجوار فراش والدته….

جلست واعتدلت وجذبت طرف فستانها لتغطى ركبتيها و…اسقط فى يدها وانزعجت وهى ترى بقعتين من الدماء تلطخان فستانها غطت البقعتين بحقيبة يدها بينما لم تستطع ان تغطى ارتباكها الشديد وما هى الا دقائق حتى استأذنت مغادرة المستشفى. طال ارتباكها والحلم الكابوس قد سيطر عليها وبدا ان الجزء الذى تذكره قد تحقق فماذا عن الجزء من الحلم الذى لا تتذكره…اى مصيبة تنتظرها واى كارثة تحيق بها…وصلت الى منزلها وركنت السيارة بصعوبة وفى منزلها خلعت فستانها الازرق ذو الكلفة البيضاء ووضعته على الفراش….

ثم اخذت تعاين بقعتى الدماء والرعب يتملكها…وهى تستعيد الحلم الكابوس…الفستان الازرق ذو الكلفة البيضاء والمستشفى ثم البقع الدموية…قربت الفستان من عينيها وهى ترى بقعتى الدماء وقد بدأتا فى التلاشى..ابتسمت…ضحكت ثم ضحكت حتى الدموع وهى تتذكر كاس الكركديه التى شربتها قبل ذهابها الى المستشفى و الحلم الكابوس الذى كادت ان تحققه بنفسها.

شاهد أيضاً

رحمة سعيد

كيف نحمي البيئة من التلوث؟

بقلم رحمة  سعيد متابعة دكتور علاء ثابت مسلم  إن البيئة هي عنصر أساسي من عناصر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.