الجمعة , نوفمبر 22 2024

و جدران العلكة تتكلم أيضاً

بقلم : نانا جاورجيوس

زقاق العلكة بمدينة سياتل في واشنطن و شارع اللبان في كاليفورنيا، أمكنة أُدرجت على خريطة السياحة العالمية. فإن سافرت لكاليفورنيا في سان لويس أوبيسبو لزيارة معالمها السياحية،

فبالتأكيد ستقوم بزيارة لشارع «اللبان» أو شارع «العلكة الممضوغة»، لا تلمس شيئاً من هذه الطبقة السميكة من الجراثيم اللزجة، التي هي عبارة عن جدار بإرتفاع حوالي 15 قدماً وبطول 70 قدماً،

إعتاد السياح والزائرين لصق اللبان الممضوغ بتلقائية بمجرد خروجه من فمهم على الجدار بطريقة مقززة تنم عن إن سلوكياتنا الشخصة ليست بمنأى أن نكون سبباً مباشراً في تلوث ما يحيط بنا في البيئة،

رغم أنها دول رائدة للتحضر في العالم، وبمجرد إمعان نظرك في ألوان العلك وعشوائيته اللزجة تجد أنه أصبح يشكل لوحة فنية قذرة ترسم بعض الكلمات والأشكال والتصميمات الإيحائية بأغلفة اللبان مثل بعض الوجوه والورود وأسماء شركات اللبان العالمية.

ومع إلتصاق ملايين القطع من الطبقات السميكة بجانب بعضها بإرتفاع أربعة أمتار نصف، ماشكل لوحة زخرفية يرتادها السياح والعرائس والعرسان لإلتقاط الصور التذكارية حتى أصبح زقاق العلكة محطاً للجذب السياحي و ربما يدر دخلاً للمدينة.

تناولت وسائل الإعلام العالمية والبرامج التليفزيونية ونشرات الأخبار أقذر منطقة سياحية لهذا الزقاق الذي أصبح معلماً سياحياً محلياً وعالمياً حيث تأسس سنة 1950 وتناولته الصحف العالمية مثل نيويورك تايمز ولوس أنجلوس تايمز والفرنسية برس والغارديان البريطانية ومدى الاشمئزاز من هذا الجدار،

إلا أن المسئولين والتجار الأمريكييين والفرنسيين والإنجليز، عارضوا بشدة هدم الحائط بحجة أنه يتمتع بجذب سياحي، وشكلاً من أشكال الفنون، بل وساهم آلاف الأمريكيين و الأنجليز و الفرنسيين و بعض الفنانيين بأعمال فنية من العلك على الحائط وخاصة بين فترة الثمانينات والتسعينات.

والجدار الأخر للعلكة يوجد بمدينة سياتل بولاية واشنطن، حيث بدأت نفس العادة السيئة في لصق اللبان على الجدار سنة1991 لأكثر من 25 سنة وفي كل مرة يتم تنظيفه يعود رواد أحد المسارح المتخمة للجدار إلى نفس العادة المقرفة، بعد سماح المسئولين لهم بلصق مضغتهم اللزجة خلال وقوفهم في طابور مسرح الإرتجال المجاور لجدار العلكة،

حتى تحول لمعلم سياحي مهم في المدينة. ورغم أن جدار سياتل يحتل المرتبة الثانية عالميا كأكثر منطقة سياحية تحمل ميكروبات وتلوثاً في العالم وأعظمها للإشمئزاز، حيث تحتل صخرة بلارني بأيلندا المرتبة الأولى والأكثر إحتواءاً على ميكروبات في العالم بحسب صحيفة لو فيجارو الفرنسية، إلا أنه أصبح من معالم جذب سياحي للمدينة.

ومن الجدران اللزجة للعلكة الغربية إلى جدراننا العربية التي سيجنا بها حولنا وعزلنا أنفسنا عن العالم لأننا من جنس أخر مختلف عن بقية البشر، فلم تعد عندنا للحيطان وِدان زي زمان لتسمع ما نهمس به خلف الجدران، بل أصبح لجدراننا لسان!

هم يبصقون علكتهم على حوائطهم ونحن نبصقها في وجوه الأخرين لنقيم بها جدراننا اللزجة! حد أصبحنا أكثر شعوب الأرض لزوجة، بل أصبحنا مغرمين بوضع الجدران والفواصل في علاقتنا بكل ما يربطنا بالحياة وبهذا الكوكب، من جدران سياسية لأخرى إ

ستراتيجية دفاعية تبعاً لنظرية المؤامرة التي يدبرها لنا العالم لأنه يحسدنا ويحقد علينا! حد تهاوت جدراننا الفكرية البائسة وصارت أكثر تخلفاً وأكثر فولازية من جدار الفصل العنصري الصهيوني، يعلون جدارهم ليحمون أنفسهم بعد كل هجمة و بعد كل ممارسة عنصرية ضد بؤساء العُزل من الفلسطنيين،

ونحن نعلى جدراننا الفكرية الصخرية لنعزل أنفسنا أكثر حد أصبحت الهوة شاسعة بيننا وبين العالم، لأننا لا نرى أنفسنا سوى كائنات من طينة مختلفة، جدران طبقية إجتماعية بين الغني والفقير، وجدران طائفية بين شيعي وسني، بين مسلم ومسيحي، وبين عربي ويهودي، جدران عنصرية ضد الأقليات من السُكان الأصليين، وضد أجناس الأرض.

و جدران أخرى صارت أكثر بؤساً، هي جدار اللغة التي أصبحت حاجزا بيننا وبين العالم بدلاً من أن تكون جمالها في بساطتها لتشجع العالم على تعلمها لا بفرضها عليهم بل بتحبيبهم فيها وفينا.

أصبحنا نفتخر بها ولا نعرف كيف نستخدمها ونظهر جمالها، مجدنا لساننا العربي فقط ولكن بمنأى عن كل ثقافات العالم وحاربنا كل اللغات العالمية كما أحرقنا كتب اللغة الإنجليزية في ثورة 1952!.

حتى لغتنا العربية الجميلة التي تحمل عشرات المفاهيم للكلمة الواحدة، فصارت صدفات البحر مفعمة بحروفها، زي ما قال حافظ إبراهيم:« أنا البحر في أحشائه الدُر كامن،، فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي.»

فإن لم يكن بأعمال الإنسان فبالكلمة تكافح الظلمة وهذا أضعف الإيمان، فالكلمة نور تقشع ظلمة نفوسنا و تخرج من نفوس تحمل الجمال وتسلك طريقها لتسكن نفوساً أخرى ربما لم تكن تتمتع بقدر من الجمال و زرعت فيهم بذرة حياة. تلك الكلمة التي قال عنها إبن خلدون في مقدمته:

« إنّ قوّةَ اللّغة في أمّة ما، تعني استمراريّةَ هذه الأمّة بأخذ دورِها بين بقيّة الأممِ، لأنّ غلبة اللغة بغلبة أهلِها، ومنزلَتها بين اللغات صورة لمنزلة دولتها بين الأمم».

هنا المؤرخ الكبير لم يعزل العربية بمنأى عن لغات العالم بل جعلها في مرتبة متساوية كبقية الأمم لأننا شعوباً وقبائل لتتعارف.

الدول الغربية عرفت تُخرج من قاذورات فمها لوحات دعاها الإنسان الغربي بفنون وإبداع وتحدثت بكل لغات العالم، فأخرجوا من القبح جمالاً ولو جمالاً مقرفاً ويثير التقيؤ. بينما نحن مازلنا مغرمين بأنفسنا نلوك الكلمات كالعلكة في أفواهنا بلا أدنى مسئولية، ولا نرانا ولا نعرفنا إلا ونحن مزهوين بأنفسنا منشرحين بعِزّة وإحنا بنتغنى مع سيد مكاوي « الأرض بتتكلم عربي» !.

12799120_1036899956369719_8176471676554178868_n

شاهد أيضاً

المصريون يعتقدون بأن “الأكل مع الميت” فى المنام يعني قرب الموت .. وعالم يؤكد بأنه خير

يستيقظ جزء كبير من المصريين باحثين عن تفسير ما كانوا يحلمون به بالليل بل ويقضون …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.