د.ماجد عزت إسرائيل
القديس أثناسيوس الرسولى البطريرك رقم (20) كنموذجاً لآباء الكنيسة الذين دافعوا عنها ضد الهرطقات والبدع والخرافات التى قام بها القس “أريوس” ومعاونوه من اليهود والوثنيين.
وقد ولد هذا القديس فى مدينة الإسكندرية عام296م، وتلقى تعليمه فى الدراسات اللاهوتية والفلسفية بذات المدنية،ولنبوغه فى العلوم الدينية
اتخذه البابا “الكسندروس”(312-328م)البطريرك رقم (19) تلميذاً له بعد رسامته دياكوناً (شماساً)
وفى عام (319م) اتهم أثناسيوس أحد القسوس واسمه “أريوس” بالتعليم عن المسيح بأنه ـ لا هو إله كامل وحقيقى ،ولا هو إنسان كامل وحقيقى، وكان هذا خليطا بين الوحدانية المطلقة(اليهودية)
وتعدد الآلهة (الوثنية) أى التعليم بإله واحد منفرد متعال على البشرية،وفى نفس الوقت بعبادة الكلمة “اللوجوس”
وأنه “نصف إله” أو”إله غير مخلوق”. وقد منحه البابا “الكسندروس”
فرصة ليعترف بخطئه ويعلن توبته ولكنه ازداد تعنتا، فتم إدانته وعزل فى مجمع كهنة الإسكندرية عام(321م).
وبعدها نجح “أريوس”فى الحصول على دعم اليهود له، وخاصة وأنهم يشكلون جالية ضخمة
ونفوذ كبير منذ عصر بطلميوس حاكم مصر،الذى أراد أن يكسب ودهم فترجم كتابهم المقدس من العبرية إلى اليونانية282م
وهى الترجمة التى عرفت بـ (الترجمة السبعينية)،كما أنهم كانوا أغلبية في الجيش وموظفي الدولة والتجار ويمثلون قطاع مسلحًا بالمال والدهاء والجواسيس، ولذلك تعاطفوا مع الأريوسيين ـ أتباع أريوس ـ
لأن إيمانهم مشترك؛ وهو ضد لاهوت السيد المسيح، كما يساعدهم فى كسب ود الإمبراطور
أما الوثنيون فكانوا خصمًا رسميًا للبابا الإسكندرية من جهة العقيدة الوثنية؛التي كرس القديس أثناسيوس نفسه لهدمها من الأساس، وقام بتعميد الآلاف منهم، فوجدوا في التفكير الأريوسي ما يتماشى مع منطق فلاسفتهم
بل أن أريوس لم يأت في هرطقته بجديد،بل تبنى الأفكارالوثنية وصاغها صياغة مسيحية،وساق نصوص الكتاب المقدس في تأييدها بتفسيرات ملتوية، لذلك قال عنه أثناسيوس” أن أراء أريوس أراء وثنية”.
على أية حال، ترك أريوس الإسكندرية وذهب إلى فلسطين وأسيا الصغرى وهناك خدع بعض الأساقفة من أصدقائه بآرائه وسمحوا له بنشرها، وعقد الأساقفة المؤيدون لأريوس مجمعين متتاليين ما بين عامى 222-223 م
وقرروا فيهما إلغاء حكم البابا”ألكسندروس”وإعادة أريوس للإسكندرية، وبعد عودته سرعان ما كون لنفسه حزبًا من معتنقي تعاليمه (الأريوسية) وأخذ ينفث سموم تعاليمه بمنتهى العناد والضلال،فما كان من البابا
“ألكسندروس”إلا أن قام بطرده مرة ثانية، وبدأ القديس “أثناسيوس” يتسلح بعلمه وإيمانه لمحاربة الأريوسية
ودحضها، وأخذ يثبت صحة الإيمان القويم في نفوس المؤمنين، ولكن “أريوس” ومعاونوه من الوثنيين واليهود
تمكنوا عن طريق رجل يدعى “يوسابيوس النيقوميدي” من استمالة الإمبراطورقسطنطين بواسطة أخته قسطنطيًا لمناصرة أريوس، فأرسل رسالة مع هوسيوس أسقف قرطبة (بأسبانيا) إلى البابا ألكسندروس
وأنتهى الأمر بالدعوة لعقد مجمع نيقية325م،الذى حضره الأمبراطور قسطنطين وبابا الإسكندرية ورئيس شمامسته
وسكرتيره الخاص “أثناسيوس”والأنبا بلامون أسقف هرقلية بأعالي النيل والأنبا بفنوتيوس أسقف طيبة
حتى لقد بلغ عدد الأساقفة نحو 318 أسقفا، وحضرأريوس، وكان وقت انعقاد المجمع يناهز الستين من عمره،وكان معه أنصاره ومنهم”يوسابيوس”أسقف نيقوميدي. وعندما دار النقاش فى البدعة الأريوسية
أخذت الدهشة الأساقفة من موقف أثناسيوس العظيم الذي لم يتجاوز الثلاثين من عمره، وفرحوا فرحًا عظيمًا لعلمه
وثقافته الدينية و فصاحته وبلاغة عباراته ونبوغه وقدرته على إثبات الإيمان المستقيم
ليس ذلك فحسب بل نظر إليه الإمبراطور قسطنطين مندهشًا من علمه وبلاغته قائلاً له:
“أنت بطل كنيسة الله” ودعا الإمبراطورالجميع للهدوء،وأصدر أمره بنفى أريوس إلى “الإليريكون”
بجوار بحر الأدرياتيك وحرق جميع كتبه.
وبعد انتهاء مجمع نيقية 325م وعودة البابا وتلميذه إلى الإسكندرية، تنيح (مات) البطريرك
“ألسكندروس” (17 إبريل 328 م)،ولكنه قبل نياحته أوصى بانتخاب “أثناسيوس “خليفه له
إلا أنه هرب للبريه، فاحضره مجموعة من الأراخنة والرهبان وفى(8 يونيو 328م)
وبحضور نحو 50 أسقفاً تم رسامته بطريركاً رقم(20) على مدينة الإسكندرية
وكان عمره وقتئذ لم يتجاوز الثلاثين، وظل يكافح من أجل الإيمان الصحيح؛ ضد الأريوسيين واليهود
والوثنيين والأريجانيين وأصحاب الهرطقات، الذين سعوا لدى السلطة الحاكمة،لتلفيق التهم إليه
نذكر منها على سبيل المثال؛عدم دفع الضرائب،والزنا،والقتل،واستغلال النفوذ،ومعارضة تصديرالقمح لروما
فأصدر ألإمبراطور أمرا بعقد مجمع لمحاكمته،وعقد هذا المجمع في سرديقيا (صوفيا)، بحضور 170 أسقفًا ورأسه هوسيوس أسقف قرطبة
وقرروا براءة القديس البابا أثناسيوس الرسولي حامى الإيمانـ، وخلال تلك الفترة تعرض للنفى خارج الإسكندرية خمس مرات بلغت: المرة الأولى لمدينة تريف بفرنسا، والثانية لمدينة روما، والثالثة لكيرسية بمدنية الإسكندرية (بين رهبان البرية)، والمرة الرابعة لمدينة طيبة بجنوب مصر،والمرة الأخيرة إلى مقبرة أبيه
ولكن الشعب قام بمظاهرة فى فبراير366م ضد الأمبراطور”فالنسى الأريوسي”
الذى أصدر مرسوماً بعودة البابا “أثناسيوس” أو حامى الإيمان كما عرف فى العالم بهذا اللقب إلى كرسيه
بمدينة الإسكندرية، وترك عالمنا الفانى وكان عمر يناهز نحو 77 عاماً