.. ( القديس سيدهم بشاي – حاكمه شيوخ الازهر ظلما – وتم إحراقه حياً – وبسببه تحرك الاسطول البريطاني ، وتم رفع الصليب جهرًا على الكنائس تكريماً لإستشهاده )
تقرير : مايكل عزيز البشموري
أصبح قانون إزدراء الأديان التي تستخدمه الحكومة المصرية بوقتنا الحالى ، لا يستخدم إلا علي المسيحيين والتنويريين من المسلمين فقط ، فحول هذا القانون الطائفي حياة بسطاء الاقباط والاصلاحيين من المسلمين إلي جحيم ، ويشكل هذا القانون البغيض شرخاً عميق يؤثر على علاقة المحبة الذى تربط المسلمين بإشقائهم
المسيحيين فى مصر ، فتحول لعبارة عن أداة خصبة في يد المتطرفين الإسلاميين ، وكان المتطرفين
بالماضي يقتلون أي قبطي لا يروق لهم وكانت التهمة الجاهزة للنيل منه هو إزدراء الدين الاسلامي
الذى تطور فيما بعد وشرع ليسمي بقانون إزدراء الاديان ، وبسبب هذا القانون تم تدمير مستقبل
عشرات الأسر المسيحية وسجن وقتل وهجر مئات الاسر والشباب القبطي طيلة الاربعين عام الماضية
بل وأكثر ، ومن أشهر ضحايا قانون إزدراء الاديان ، التي نالها يد الغدر والخيانة هو القديس سيدهم بشاي ، شهيد دمياط ، الذي حاكمه شيوخ الازهر ظلماً ، وتم إحراق جسده حياً ، وبسببه تحرك الاسطول
البريطاني لغزو مصر ، ورفعت الحماية البريطانية على الاقباط ، وبعد إستشهاده تم رفع الصلبان
جهراً على الكنائس القبطية بالقطر المصرى تكريماً لإستشهاده .
من هو سيدهم بشاي :
أستشهد القديس سيدهم بشاي عام 1844 ميلادية وهو أحد قديسي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وعمل بشاي
كاتباً بديوان عام مدينة دمياط في القرن التاسع عشر في عهد محمد علي باشا والي مصر .
وتم اتهامه زوراً بازدراء الدين الإسلامي , فاستغل بعض من المتطرفين الموقف على خلفية حالة من
العنف الطائفي السائد آنذاك و حاكموه شعبياً و قاموا بالاعتداء عليه مما تسبب في استشهاده.
تم اكتشاف جثمانه لاحقاً و تم إعلانه قديساً عام 1987
نبذة تاريخية عن مدينة دمياط :
كانت مدينة دمياط في هذه الأيام مدينة كبيرة يعج ميناؤها بالحركة و يختلط في شوارعها الأجانب
والمصريون على اختلاف انتماءاتهم ، لكنها أيضا كانت مدينة تشهد تمييزاً شديداً ضد هؤلاء الأجانب
والأقليات المسيحية لكونها مقراً لسجن الجنود الأجانب الفارّين من جيش محمد علي , وعلاقتها
بالمشهد السياسي كمنفى للجماعات السياسية كانت غير مرغوبة ، وانطباع العامة عن مسيحييها
كأحفاد لجنود فرنسيين تخلفوا منذ عهد الحملات الصليبية المتكررة التي تعرضت لها المدينة
كانت تشغل أذهان المتطرفين .. و ترتبط الرواية الشائعة عن استشهاد مارسيدهم بعدد من الحوادث
التي سبقت حادثة استشهاده ، و تعكس هذه الحوادث حالةً طائفيةً شديدة يمكن على أثرها فهم الفظائع
التي ارتكبت في حق القديس سيدهم بشاي ، وفي مقدمة تلك الحوادث تأتي أحداث مارس
( 1844 ) ، التي بدأت بمشاجرة كان طرفاها باسيلى الخولى وهو موظف مصري مسيحي
بقنصلية الإمبراطورية النمساوية في ذلك الوقت , و درويش التاجورى و هو تاجر سكندري مسلم .
وقد دبّت بينهما مشاجرة على خلفية معاملات مالية ، لكنها سرعان ما تحولت إلى خلاف طائفي
تضخم لاحقاً ليصبح معركة دامية بين المسلمين والمسيحيين في شوارع مدينة دمياط .
قصة استشهاده :
وتتفق الروايات في أن قصة القديس سيدهم بشاي ، بدأت عندما احتك به بعض المتطرفين
في الطريق المؤدي للكنيسة ، فتجمهر العامة على خلفية الأحداث الطائفية السابقة
واستغل المتطرفون مرور مفتى المدينة ، فأخبروه كذباً بأن مارسيدهم
تطاول على الإسلام والمسلمين وأساء لنبيهم .
وقد لجأ عسكر المدينة فى بداية الأمر إلى إنهاء الموقف بشكل فوري خوفاً من اشتعال الفتنة الطائفية
من جديد ، فألقوا القبض على القديس سيدهم بشاي ، ووجهت له تهمة ازدراء الإسلام
وقد حوكم مارسيدهم محاكمة شكلية بحضور المحافظ خليل أغا والشيخ علي خفاجة والشيخ البدرى
ونقيب الأشراف في ذلك الحين مع نفر من التجار
وأميرلاى الرديف ، وأدين فيها بسب الإسلام و التطاول على نبيّه ، و حكم عليه بالاستتابة أو الجلد حتى الموت.
ولم يتمكن العسكر من السيطرة على المشهد بسبب الفوضى التي كانت تعم المدينة خلال الاشتباكات الطائفية السابقة ، و تحول تنفيذ الحكم على مارسيدهم إلى مشهد فوضوي ، فاختطفه العامة ورعاع المسلمين
من أيدي العسكر وبدأوا بتنفيذ الحكم بأنفسهم ، فقاموا بجلده وتعذيبه في طرقات المدينة وأركبوه دابة
إتباعا للعرف السائد حينها ، و تحولت المدينة لمسرح للطائشين الذين يمارسون التخريب العشوائي
لممتلكات الأجانب والمسيحيين .
وقام أحد المتطرفين بإفراغ القطران الساخن فوق رأسه فتم إحراقه حياً ففارق الحياة فى الحال .
الاسطول البريطاني يتحرك لغزو ثغرة دمياط :
وفى تلك الاثناء ، وعلى أثر هذا الحادث الأليم ، كتب قناصل الدول الاوربية إلى حكوماتهم بما حدث
للمسيحيين الاقباط ، فتم إرسال الاسطول البحرى البريطانى المجهز بالاسلحة الحربية إلى ثغر دمياط لحماية الاقباط
والبعثات الاوربية فيه ، فدخل الجنود المدينة ، لكن والى مصر محمد على باشا أسرع فأرسل مندوبًا عنه للتحقيق
وهدّأ خواطر القناصل الاوروبيين ، وانتهى الأمر بعقاب ( القاضي ) والمحافظ والشيخ البدري وتم تجريدهما من منصبهما .
التحقيق في مقتله ورفع الصليب جهرًا علي كنائس مصر لإول مرة منذ الغزو العربي :
وصلت شكوى مسيحي دمياط إلى والي مصر محمد علي ، فأمر بفتح التحقيق في القضية وأسفر التحقيق
كما تحدثنا عاليه عن إدانة المحافظ و القاضي و الشيخ البدرى و حكم عليهم بتجريدهم من مناصبهم
وتم تشييع جنازة مارسيدهم رسمياً ، وأمر الوالي محمد على ، بتكريم ذكراه في كل أنحاء مصر
وأصدر أمره للمرة الأولى في التاريخ الحديث برفع الأعلام الكنسية و الصلبان في الجنازة جهراً .
وقد استقبلت جميع الطوائف المسيحية ذلك الخبر بالابتهاج وسار الموكب الجنائزي يتقدمه الكهنة
في ملابسهم الكهنوتية لأول مرة في العلن و على رأسهم القمص يوسف ميخائيل وطافوا أرجاء دمياط
مع لفيف من الشمامسة حتى وصلوا به إلى موقع كنيسة مارجرجس حالياً وأتموا مراسم الصلاة
ودفنوه بأرض الكنيسة التى كانت ما تزال مدفناً لأقباط دمياط في ذلك الحين .
وقد أثرت تلك الحادثة على شعبية محمد علي عند شيوخ عصره واتهمه بعض المتشددين منهم بموالاة الغرب المسيحي .
إكتشاف الجثمان الطاهر
وفى عام 1968 في عهد الأنبا تيمثاوس مطران دمياط الأسبق ، تم اكتشاف جثمان القديس سيدهم بشاي مدفونا في الحديقة الخلفية لكنيسة مارجرجس أثناء قيام الكنيسة ببعض عمليات الترميم
وكان جسد القديس ، فيما عدا آثار التعذيب متماسكاً تماماً ولم يصبه العفن أو التحلل و لم يفقد شيئاً منه
لدرجة إمكانية إيقافه على قدميه ، كما لم يتغير لونه ، إلا أن أحد الأساقفة قام لاحقاً بتطييب الجثمان
عن طريق الخطأ بأطياب حارقة للبشرة مما تسبب في تغيير لونه للون الأسود ، و في نفس العام قام
البابا كيرلس السادس بإرسال لجنة لتقصي الحقائق عن الواقعة ، والتثبت من مطابقة أوصاف الجثمان
و تم نقل الجثمان عام 1972 إلى كنيسة السيدة العذراء بـدمياط حيث وضعت في مكان استشهاده في مقصورة بداخل صندوق كبير له غطاء زجاجي حتى يتيسر للزوار رؤيته والتبرك به .
اعتراف الكنيسة الارثوذكسية بقداسته :
قام المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية ، وبرئاسة قداسة المتنيح البابا شنودة الثالث في جلسته المنعقدة بتاريخ 8 يونيو 1987 الاعتراف بقداسة الشهيد مارسيدهم بيشاي ، وذلك بعد دراسة الوثائق التاريخية والتقارير و الصور التى رفعها نيافة الأنبا بيشوي مطران دمياط إلى المجمع المقدس آنذاك .