كما في عقود شركات التامين والنقل وعقود المرور وشركات الغاز والمياه ومصالح البريد وغيرها) هي كبقية العقود متكونة من ايجاب وقبول ورضا الطرفين، الا ان القبول يتميز بانه مجرد اذعان لما يمليه عليه الموجب، ويسمى هذا العقد في الفرنسية « عقد الانضمام » حيث ان من يقبل العقد انما ينضم اليه دون ان يناقشه، الا ان الاستاذ الدكتور السنهوري آثر تسميته في العربية بـ « عقد الاذعان » لما يشعر به هذا التعبير من معنى الاضطرار في القبول، وقد شاعت هذه التسمية في اللغة القانونية من فقه وقضاء كان القانون المصري القديم يحمي عقود الاذعان حماية قضائية، فيعتبر القضاء عقود الاذعان عقودا حقيقية واجبة الاحترام ، فيحترم الشروط.. ويلزم من يتعامل مع شركة باحترام لوائحها المطبوعة، ومن يتعامل مع مصلحة السكك الحديدية بمراعاة نظمها ولوائحها، ويقيد المستخدم في عقد العمل باحترام لوائح الخدمة التي يخضع لها، الا انه مع ذلك يغلب الشروط المكتوبة على الشروط المطبوعة، ويبطل الاعفاء الاتفاقي من المسؤولية، ويفسر الالتزام في مصلحة الطرف المذعن وينسخ الارادة السابقة بالارادة اللاحقة. جاء القانون المصري الجديد، فجعل الحماية لعقود الاذعان حماية تشريعية، فجاء بنصوص عامة لتنظيم عقود الاذعان كلها. نصت المادة (149) من القانون المصري على ما يلي: «اذا تم العقد بطريق الاذعان، وكان قد تضمن شروطا تعسفية، جاز للقاضي ان يعدل هذه الشروط، او ان يعفي الطرف المذعن منها، وذلك وفقا لما تقضي به العدالة، ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك.وهذه المادة اداة قوية بيد القاضي يحمي بها المستهلك من الشروط التعسفية التي تفرضها عليه شركات الاحتكار. ويشترط عقد الاذعان فى القانون المصرى أولا: احتكار السلعة او الخدمة من جانب الموجب، سواء كان (( الاحتكار قانونيا )) مثل الامتياز المعطى لاحدى الشركات لتوزيع الكهرباء على المستهلكين، او (( احتكاراً فعلياً )) كأن يسمح القانون بتقديم الكهرباء من قبل أي شركة وفق شروط معينه، ولكن لا توجد سوى شركة واحدة تتوفر فيها التقنيات اللازمة لذلك. ثانيا: يجب ان تكون السلعة او الخدمة ضرورية للمستهلك، بحيث لا يستغني عنها، او يمكنه ذلك ولكن بصعوبة، مثل سلعة الكهرباء وخدمة الهاتف والتنقل بوسائل النقل الحديثة. فهذه السلع او الخدمات، يصعب الاستغناء عنها في الحياة العصرية لدرجة الاستحالة بالنسبة للاعم الاغلب من الجمهور إن لم يكن للكل. ثالثا: ان يكون الايجاب واحداً بالنسبة للجميع او بالنسبة لقطاعات معينة وان اختلف بالنسبة لقطاعات اخرى. فالموجب يعرض ايجابه للكافة عموما دون تمييز بينهم، وشروطه واحدة للجميع. ففي مثالنا السابق، تقدم شركة الكهرباء هذه السلعة للمستهلكين وفق شروط معينه تعرضها عليهم، وكل من يوافق على هذه الشروط يحصل على السلعة من غير تفرقه بين مستهلك وآخر. رأى الفقهاء فى العقود النمطيه وتأويلها الى عقود اذعان وقد اتجه بعض الكتاب إلى القول بان جميع العقود النمطية هي من عقود الإذعان لافتقارها إلى المناقشة والمساومة بين طرفيها، ولان معدها وهو دائماً الطرف الأقوى ويرجح فيها مصالحه وهو غير مستعد لإحداث أي تغيير فيها وفي كثير من الأحيان لا تقبل حتى مناقشة محتوياتها بصورة تفصيلية. *** لا يمكن إطلاق الحكم على صيغة العقد بأنها تفتقد الى الرضا لمجرد كونها نمطية، أو لأنها قد أعدت من قبل طرفي العلاقة أو أنها تحتوي شروطاً قد تبدو مرجحة لمصلحة طرف على الطرف الآخر. ذلك ان تحقق الرضا من طرفيها على ما فيها أمر محتمل. ولكن يجب ان نشير الى فوائد تنميط العقود وهى كالتالى : ما كان اتجاه الناس إلى “تنميط العقود” إلا لما ظهر فيها من فوائد تعود على طرفي العلاقة التعاقدية يمكن إن نعد منها: 1- اختصار الوقت وتقليل الإجراءات الإدارية إذ إن وجود صيغة جاهزة جرى الموافقة المسبقة عليها من الجهة المعينة من المؤسسة يؤدي إلى زيادة كفاءة العمل. وبخاصة ان التعاقدات التي تجري بين الناس في يومنا هذا لم تعد كما كانت قديماً. فالمبايعات في الزمان القديم كانت تتم بيسر وسهولة لبساطة محل المعاقدة. أما اليوم فإن السلع الالكترونية والميكانيكية والخدمات الطبية وعمليات الصيانة والتشغيل والمقاولات جميعاً تتضمن تفاصيل كثيرة يصعب ان تكون محل مساومة في كل مرة. أضف الى ذلك الحجم العظيم من الأعمال الذي ترتب على التزايد الكبير للسكان في كل بلد. 2- خفض تكاليف المعاقدات وبخاصة في الحالات ذات الطبيعة المعقدة مثل عقود بيع المعدات والعقارات والآلات الطبية والطائرات والى آخر ذلك التي تمتد سنوات لارتباطها بترتيبات صيانة وتجديد وتدريب وما الى ذلك. وهذا يسهل العمل ويغني عن المجاذبة والمساومة، كل مرة يقع فيها بيع. 3- ملائمة حاجات الميكنه واستخدام برامج الحاسوب من قبل بائعي السلع والخدمات في اتمام المعاملات في كافة القطاعات الصناعية والخدمية. ولا يتصور لذلك من سبيل إلا تنميط الاجراءات وصيغ العقود حتى يسهل على الآله التعامل معها. 4- يؤدي التنميط الى جعل العلاقة بين المؤسسة وعملائها ذات طبيعة موحدة، وعندئذٍ يمكن معاملة جميع العملاء أو الموظفين بصورة جماعية بدلاً من نشؤ علاقة مختلفة مع كل واحد منهم. ومن ثم تفادي التفرق بين الناس بحسب قوتهم التفاوضية. 5- إن التنميط يقلل الوقوع في الأخطاء، لان العناية بالنمط المعتمد تكون عظيمة وان تكرر العمل به يخلصه من بعض ما يلاحظ عليه من نقص أو خلل لمعاودة النظر فيه. كما إن العقود النمطية لما تلقاه من عناية المشخصين تكون أوضح في الصياغة وأدق في العبارة ومن ثم أيسر في الفهم. 6- وكل ذلك يسهل عمل المحاكم وجهات فض المنازعات في كل الاختلاف لان هذه الأحكام المتشابهة واللغة الموحدة والمعايير المعتمدة تسد الذرائع الى النزاع كما انها تسهل فضه إن وقع. يترتب على معرفة ما إذا كان العقد عقد اذعان أم لا نتيجه هامه جدا وهى سلطة المحكمة في عقود الاذعان، فليس للمحكمة أن تلغي أي شرط تعاقدي ولا أن تعدله حتى لو كان تعسفياً أو مجافياً لابسط قواعد العدالة من وجهة نظره. **** إن هذه الصلاحية خاصة بعقود الاذعان. فإذا خلصت المحكمة الى أن العقد ليس إذعانا فلا تستطيع ممارسة تلك الصلاحية، فمن حق محكمة الموضوع أن تمارس صلاحيتها في الشروط التعاقدية من تلقاء نفسها دون حاجة لطلب أحد الطرفين، وعلى التحديد الطرف المذعن لأنه هو صاحب المصلحة بطلب ممارسة هذه الصلاحية من قبل محكمة الموضوع. فإنه يتوجب على المحكمة أن تناقش هذا الطلب، وترد عليه سلباً أو ايجاباً ومع ذلك، فإننا نرى أنه إذا طلب الطرف المذعن من المحكمة ممارسة هذه الصلاحية، فإنه يتوجب على محكمة الموضوع أن ترد على هذا الطلب سلباً أو ايجاباً ولا يجوز لها إغفاله. وفي حال رفضها الاستجابة للطلب، فعليها أن تبين سبب ذلك، أما صلاحية المحكمة، فتتلخص بأن لها إما إلغاء الشرط أو تعديله وفق ما تقضي به العدالة، حسبما تراه المحكمة مناسباً. ومثال ذلك أن يقضي عقد توزيع الكهرباء بحق شركة الكهرباء أن تقطع التيار عن المستهلك في اليوم التالي من استحقاق الفاتورة في حال عدم دفعها، فتخلص المحكمة الى أن هذا الشرط تعسفي، في هذه الحالة، قد تقرر المحكمة الغاء هذا الشرط التعسفي وليس مجرد تعديله فحسب. وفي كلا الحالين، تأخذ المحكمة بالحسبان اعتبارات العدالة وفق ما تقرره المحكمة نفسها، وهي أيضاً مسألة نسبيه تختلف باختلاف الظروف. ومرة أخرى، فإن المسألة تقديرية لمحكمة الموضوع سواء بالنسبة لالغاء الشرط أو تعديله، وفي حال التعديل، فإن محكمة الموضوع هي التي تقدر كيفية التعديل ومداه دون تعقيب عليها.
الوسومخالد السيد
شاهد أيضاً
“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “
بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …