في عيد الحبّ
الحبّ حالة جماليّة تحلّ بالبشر,جميع الكائنات الحيّة. في الوهلة الأولى يكون حباً ثم يصبح قراراً بالحبّ، وربما إدماناً عليه، فالمدة التي يستمر فيها الحبّ لا تتجاوز الأشهر علمياً، لكنه يستمرّ بقرار شخصي من الرّجل في أغلب الأحيان.
معجبة أنا بقصص الحبّ جميعها، ما نجح منها وما فشل، وربما لا يكون الزّواج ” مقبرة للحبّ” بل تغييراً لأسلوبه .
يستمرّ الحبّ لو أردتم بطرق شتى. بطريقة الرّجل السّوري الذي أصيبت زوجته بطلقة خلال الحرب، وأصابها الشّلل فنذر نفسه للعناية بها، وبأولاده في مخيّمات النّزوح. هل هناك أرقى من هذا الحبّ؟
الرّجال الذين يقدّرون الحبّ معدنهم أصيل ، وحليب أمهاتهم غير مغشوش.
لي صديق كندي سوري . اسمه الياس قومي بعد ستّ سنوات من وفاة زوجته ومن الوحدة القاتلة سألته لماذا لا تتزوج ؟ قال: من أجل بناتي.
هل هناك أروع من هكذا حبّ؟
في عيد الحبّ أوجه تحيّة لكلّ الرّجال الذين قدّموا الحبّ لزوجاتهم، وأسرهم ، وتخلوا عن الأنانية ، أعطوا دون مقابل، هم كثيرون ، لكن هناك من الرّجال من يعتقد أنّ على النّساء أن يحببنه فهو معشوق مدلل ، وهو نجم يستحقّ نساء كثيرات ينفقن عليه ،لدي مثالان من محيطي :
أحدهما غادر أسرته منذ ست سنوات مدّعياً أنه يعمل من أجل تأمين نفقات عائلته، وأسرته تعيش في سورية، وهو فعلاً يقدّم ما يستطيع من المال، لكن أولاده لا يعرفونه ، ولم يشاركهم حياتهم، ومع الحرب في سوريّة كان أمامه فرص كبيرة كي يخرجهم إلى تركيا في أسوأ الأحوال ، لكنّه لم يحاول ، وقد خسر أحد أبناءه في القصف، واكتفى بتقبل التعازي على الفيس بوك.
الثاني يعمل في الخليج وينكّل بزوجته لأنه يرسل لها ثمن طعام أولاده وينعتها بالجنون رغم أنها في أوج شبابها وتحترم غيابه، وتربي أولادها على القيم، لكنّه يهدّدها بالزواج بأخرى كونها لا تلبي طموحه مع أنّها أعلى ثقافة، وأرقى ذهناً. نسيأن ذلك سينعكس على أولئك الأطفال فالاعتداء اللفظي والجسدي والتهديد بالزواج هو نوع من الاعتداء الجنسي على الأطفال، وفق آخر تحليلات علم النّفس . هو يعتقد أن بإمكانه تحريض الأطفال على والدتهم دون أن يرحمهم، ويدعهم يعيشون بأمان طالما لا يرغب بمشاركتهم.
متى يفهم بعض رجالنا بأنّ الأبّوة ليس هي تأمين رغيف الخبز فقط؟ الأبوّة هي حضور كامل في حياة الأسرة ، وتلامس للأيدي، خلاف، وصفح، وتاريخ مشترك.
أحيي هؤلاء النّساء المليئة قلوبهنّ بالحبّ، واللواتي التزمن بقضيّة أطفالهنّ رغم غياب الزّوج أو اعتداءه على الزوجة باللفظ أو الضرب. فالحبّ في النّهاية عطاء، وليس كل شيء في الحبّ ليال حمراء، وتلك المرأة التي أشبعت بغريزة الأمومة، ولا تسمح لنفسها أن تتخلى عن أمومتها رغم التنكيل والضغوط. هي “بطل” بكل
ما يعنيه مفهوم البطولة من معنى، وبخاصة أولئك النّساء اللواتي يعشن في دولنا العربية حيث لا ضمانات للمرأة، وحيث يحاربها الرّجل بأولاده، لا يعنيه ما يحلّ بهم باعتباره يقدم أبوته بطريقته، ويقنع نفسه أنّه محق.
في عيد الحبّ أهدي وردة لأولئك المسنين في مكان إقامتي ” السويد” والذين يمسكون بيد بعضهم البعض تعبيراً عن الحبّ، وأكثر من ذلك فإنّ الرجل يعتبر نفسه ملزماً بأن يحضن زوجته التي ترتجف من الشّيخوخة، عندما أراهم يمرّون أمامي أحسدهم، فالموت أمر طبيعي في حضن الحبّ.
في عيد الحبّ أهدي وردة حمراء إلى جاري السويدي الألماني هانس موتشكي الذي أتى إلى السويد هرباً من ظلم هتلر وكان عمره سبعة عشر عاماً، التقى بزوجته ، وبعد وفاتها بعشرين عاماً لا زالت صورها مصفوفة على مكتبة غرفته في كل حالاتها، عندما يتحدّث عنها ، تشعر أنها موجودة، وقد التفت بعد وفاتها للتأليف كي يشغل نفسه، وقد ألّف كتاباً في عمر الثمانين اسمه نشأتي في ألمانيا النّازية .
عيد الحبّ هو عيد العشّاق من الشّباب ، وعيد الوفاء والإخلاص لمن تجاوزوا مرحلة العشق، وانتقلوا إلى مرحلة العائلة.
نتمنى أن يكون في العالم حبّ.
وأن يكون عيد الحبّ مثل شروق الشّمس يشرق علينا كلّ صبح.