الأحد , ديسمبر 22 2024
قداسة البابا قبل الرهبنة

البابا تواضروس والحرس القديم .. مَن ينتصر ؟!

الكاتب : مايكل عزيز البشموري
منذ إعتلائه كرسى القديس مرقص الانجيلي ، سعى قداسة البابا تواضروس الثانى ، بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقصية ، على تطوير المنظومة الكنسية قدر المستطاع ، لكى تصبح الكنيسة كيان مؤسسى لا يحكمه الفرد الواحد ، بل يقودها وينظم شئونها جماعة المؤمنين ، لتتواكب الكنيسة مع معطيات العصر الحديث ، ولتعمل بروح ورسالة الإنجيل .

لكن تأتى الرياح بما لا تشتهيه السفن ، فبدلاً من أن يعمل الاساقفة القدامى بالكنيسة ، على مساعدة أبيهم الجديد ، لتولى رعاية شعبه دون معوقات ، وجدنا بعض من هؤلاء الآباء يتمرد بشكل ملحوظ على راعيهم ، وظهر هذا الامر جلياً من خلال وسائل السوشيال ميديا ، عبر تداولنا لإخبار مثيرة تخص الشأن الكنسي ، و تنم تلك الاخبار على حالة التمرد الواضح التى وصل اليها هؤلاء الأبـاء .

ومن منظور الكثيرين يتعامل البعض بنوعاً من القلق و الريبة ، حيال المعارضة الفجة ، الذى يرونها من قبل رجال الحرس القديم ، الذى كانوا يشكلون ذات يوم ، مراكز القوي داخل الكنيسة القبطية ، فباتوا يلعبون الان دوراً سلبى أمام نهضة الاقباط بشكل ًعام وكنيستهم بشكل ًخاص .

* ما معنى مصطلح ( الحرس القديم ) ؟

الحرس القديم ، هو أسم كان يطلق على عناصر النخبة من المخضرمين في الحرس الإمبراطوري الفرنسي لنابليون بونابرت ، وكان يعتبر أكثر تشكيل مرموق في جيش نابليون .

وقد شكل الحرس القديم من الجنود المخضرمين الذين خدموا بالجيش الفرنسي ، منذ بدء الحملات العسكرية الأولى لنابليون ، وتمتع هذا الحرس بإمتيازات عسكرية ومدنية عديدة ، سواء مادياً أو إجتماعياً ، ولم يكن أحد يستطيع معارضتهم عما يفعلوه ، وكان لهم حق التعبير عن الرأي دون مساءلتهم أو فرض قيود عليهم .

* نهاية الحرس القديم :

وبعد وفاة القائد الفرنسي نابليون بونابرت تصاعد نفوذ هذا الحرس بشكل كبير ، حينها قرر الملك الفرنسي لويس الثامن عشر ، إلغاء الحرس الإمبراطوري بأواخر عام 1815 م ، و تم حل كل أفواج الحرس القديم ، وانتهى الأمر بهذا الحرس بالانخراط في أمكان مختلفة بعد حل وحداتهم العسكرية ، وقد تم تجنيد بعضهم في جيش الملك ، وأغلبهم عاش حياته وهم تحت مراقبة الشرطة الملكية .

*الاستخدام الحديث لعبارة الحرس القديم :

تستخدم عبارة “الحرس القديم” في الوقت الحاضر في فرنسا عند الحديث عن الأتباع القدامى لسياسي معين وهي تحمل معنى أقل ما يقال عنه أنه يدل على التحقير ، ويتم أيضا تداول هذه العبارة بكثرة في أوساط الصحفيين السياسيين .

وكثر في الآونة الأخيرة استخدام عبارة «الحرس القديم» خاصة في الدول العربية التي تشهد ثورات شعبية ، ويقصد بهذا التعبير كبار المسئولين الذين ظلوا فترة طويلة في العمل السياسي حيث عرف عنهم عدائهم ورفضهم لمشاريع الإصلاح وإقصاء الجيل الصاعد من ممارسة العمل السياسي – المصدر : ويكيبيديا .

وتم استخدام وصف «الحرس القديم» داخل الكنيسة القبطية ، للدلالة على الاساقفة ورجال الاكليروس الذين تبعوا المتنيح البابا شنودة الثالث ، وللتعبير عن مدى العداء الشديد الذي يكنه رجال هذا الحرس ، تجاه المشاريع الإصلاحية التى يقوم بها حالياً قداسة البابا تواضروس الثانى .

وهنا يأتى الخوف من حدوث إنقسام داخل الصف الكنسي الواحد ، بسبب سطوة هذا الحرس ومحاولة بسط نفوذهم مجددا على الكنيسة القبطية ، فالمتتبع لمجريات الاحداث ، يتبين له ظهور تيارين متضادين داخل المؤسسة الكنسية ، أحدهما متشدد منغلق ، ينتمى إليه رجال الحرس القديم ، والاخر معتدل منفتح ، وينتمى اليه أصحاب الفكر المعتدل ، وبدأ الصراع مبكراً بين التيارين بعدما تولى البابا تواضروس الثاني مهامه الرعوية ، والذى بدوره تبنى التيار المعتدل المنفتح على الجميع ، مما أدي لتزايد وتيرة الهجوم المتواصل عليه من قبل التيار المتشدد ، فأصحاب التيار الاول تبنوا الطائفية والمذهبية ، وقاموا بالغلو فى العقيدة الارثوذكسية ، التى جعلوا منها أداةً رئيسية لمخاطبة المسيحيين الارثوذكس ، فتميز هذا التيار بلغته الصدامية مع الأخرين ، مما جعل أصحابه بمعزل عن بقية أبناء الشعب القبطي ، ليتقوقع أصحابه فى بؤرة ودائرة معينة ، ليغردوا بمعزل عن الكنيسة وشعبها .
وبالنسبة للتيار الثانى فهو يتخذ من الاعتدال واللاطائفية نهجاً وأسلوباً له ، بشكل مغاير عن التيار المتشدد ، وأصبح أصحاب هذا التيار يكافحون لإثبات وجودهم داخل المشهد الكنسي بصفة عامة ، خاصتاً بعد الهجوم الممنهج الذى يمارس عليهم من قبل المتشددين الارثوذكس بين الحين والاخر .

يشنُ الان رجال الحرس القديم ، حملة ممنهجة ضد قداسة البابا تواضروس الثانى لتشوية صورته أمام المؤمن المسيحى البسيط ، لمحاولة إسقاطه عن كرسيه ، وإبعاده عن منصبه البابوي قسراً ، مستخدمين فى ذلك أبواقهم الاعلامية المتطرفة عبر صفحات التواصل الاجتماعى (الفيس بوك) ، وقنوات الميديا الخاصة التابعة لهم ، ليصل ببعض تلك الصفحات والقنوات ، المطالبة علناً بمحاكمة البابا تواضروس ، وعزله من منصبه البابوى ؛ مستغلين فى ذلك طول أناة البابا وصبره عليهم .

” لقد أصبح اللعب الان على المكشوف ، وما كان ينفيه البابا سابقاً ، بعدم وجود ما يسمي رجال الحرس القديم داخل الكنيسة ، أصبح تعبيراً غير صحيح ، وليس فى صالح البابا الان ، إنكــار هذا الامر بعد اليوم ، خاصتاً فى ظل مشاهدتنا للحشد والاستقطاب الواضح الذى يقوم به ” الحرس القديم ” ضد شخص البابا ” .

ويعتقد أتباع المتنيح طيب الذكر البابا شنودة الثالث ، المنتمين لطبقة الاكليروس والخدام بأنهم فقدوا السيطرة على قيادة الكنيسة ، فهم يرون أنهم قد خسروا ، الامتيازات والاستحقاقات التي حصلوا عليها ، إبان عهد البابا الراحل ، وقد وجد هؤلاء أنفسهم ، أمام بطريرك جديد لا ينتمي لمدرستهم الفكرية التى نشأوا عليها ، فهو جاء بعيداً عن أروقتهم الخاصة ، و يسعي هذا البطريرك جاهداً بالاستقلالية عن هذا المعسكر اليميني ، لإحداث طفرة حقيقية داخل المنظومة الكنسية الارثوذكسية ، وهو الامر الذى رأه رجال الدين هؤلاء ، أنه سيضر بنفوذهم ومصالحهم الخاصة ، فما يفعله البابا الجديد يتعارض فيما أرساه المتنيح البابا شنودة في حياته من تعاليم وقرارات هم يدينون لها بالولاء والطاعة العمياء .

* ومن أبرز العوامل التي أدت إلي المواجهة المبكرة بين الطرفين :

1- إلغاء البابا تواضروس عمل الميرون بالطريقة القديمة ، واستبداله بالطريقة الحديثة .
2- سعي البابا نحو توحيد الاعياد المسيحية (عيدي الميلاد والقيامة) مع الفاتيكان .
3- الانفتاح على الكنائس المسيحية العالمية ، ووصف هذا الانفتاح بالتنوع الجميل .
4- اشتراك البابا تواضروس بالصلاة مع أمراءة أسقف بالكنيسة اللوثرية بالسويد .
5- كتابة لائحة جديدة للاحوال الشخصية للاقباط ، تسمح من خلالها بالطلاق لعدة أسباب مثلما تتبع بقية الكنائس الارثوذكسية الاخرى .
6- هيكلة المؤسسات القبطية والمجلس الملى العام ، الذى يرفض “الحرس القديم” هيكلته .
وكانت تلك البدايات الجريئة التي اتخذها البابا الجديد ، قد أزعجت وبشدة معتنقي (الفكر الشنودي) وجعلت رجال ” الحرس القديم ” يستخدمون أذرعتهم الخاصة ، عبر الاستعانة بخدام كنسيين معتنقين للفكر الشنودي ، لتأسيس صفحات ارثوذكسية عبر الفيس بوك ، وتهدف تلك الصحفات إلي عرقلة أي مجهودات إصلاحية يقوم بها البابا تواضروس بالمستقبل والتحريض علي شخص البابا بإستمرار .

 ومن خلال إستعراضنا لتلك الاحداث يتبين لنا الاتي ” :

1- الصــراع الدائر الان داخل الكنيسة الارثوذكسية هــو صــراع علي النفوذ والسلطة .
2- هناك رغبة مُلحة من جانب التيار المتشدد على تهمييش التيار المعتدل الذي يرأسه البابا تواضروس بوقتنا الحالى .
3- هناك رغبة مٌلحة لإسترجاع ” الفكر الشنودي ” الصدامي الذى حكم الكنيسة طيلة الاربعون عام الماضية .
4- مراكز القوى داخل الكنيسة والممثلين برجال الحرس القديم ، يعملون جاهدين على عرقلة وإفشال الاصلاحات التى ينوى فعلها البابا تواضروس الثانى .
5- هناك مؤامرات حقيقية تدبر لإسقاط البابا وعزله عن شعبه ومنصبه .
علينا الادراك بأن جبهة الممانعة الارثوذكسية التى قد تشكلت ، بعد قيام البابا تواضروس الثانى بتغيير طريقة عمل الميرون القديمة عام 2013 م ، تلك الجبهة ما زالت متماسكه حتى يومنا هذا ، بل وتزيد كل يوما تطرفاً وإنغلاقاً بشكل هستيري ، وجميعنا أيقن من هو الممول والراعى الرسمي لتلك المجموعات المتطرفة ، ومن الذى يدعمها ولصالح من يعملون .
إن خطورة تلك المجموعات تكمن في خطاب الكراهية الذى يتبنوه ، فهؤلاء قاموا عن جهــل على مدار الثلاث سنوات الماضية ، بتشوية صورة وسمعة الكنيسة القبطية وعقيدتها الارثوذكسية بنظر مؤمنيها ، نتيجة الخطاب الديني الطائفي الذي يتبناه هؤلاء المتشددين .

فتلك المجموعات المتطرفة تتشابه فكرياً وأيدلوجياً مع تيار الاسلام السياسي ، الممثل بجماعة الاخوان المسلمين والسلفيين – وهنا – كان يلزم علينا فضح تلك المجموعات وممارستهم العنصرية أمام أبناء الشعب القبطى ، لفضح نواياهم الحقيقية الساعية لعزل قداسة البابا عن شعبه وإيقاف مجهوداته الرامية للاصلاح والتغيير ، ونشكر الله من أعماق قلوبنا ، فإن حملات التوعية هذة ، كتب لها النجاح والتوفيق ، وأدرك أبناء الكنيسة الغيوريين ، الاهداف الحقيقية لتلك الجماعات المتطرفة ، ومن ثم عدم الالتفاف أو الانصات اليهم فيما يقولونه من تحريض ممهنج على شخص قداسة البابا تواضروس .

وهناك طريقة واحدة بسيطة ، للقضاء على ” الحرس القديم ” وأتباعهم ، وتلك الطريقة تكمن فى إقرار البابا بهيكلة المؤسسات المدنية القبطية ، للرقابة على الاساقفة (المزعجين) ، ودعم التيار القبطى العلمانى داخل الكنيسة ، هذا التيار الذى يؤمن بالمشروع الاصلاحى واللاهوتى الذى يتبناه البابا تواضروس الثانى ، والتيار العلمانى لديه مقدرة حقيقية على مجابهة التيارات القبطية المتشددة ، فمحاولة الاعتماد على هذا الفصيل القبطى المعتدل من شأنه منع أي فصيل متشدد يسعى للسيطرة على صناعة القرار داخل الكنيسة القبطية .

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.