ماذا لو تقابلنا في مطار أو قطار، في أطول رحلة سفر ربما تأتي مرة بالعمر؟
رفقاء السفر وخِلان الطريق وأصدق مشاعر الحب يتعاطونه رغم قصر رحلة سفرهم،
ولكنها تترك أثراً وتظل مطبوعة في قلوبنا لا تفارقنا في رحلتنا بالحياة وحتى آخر العمر،
وربما وإن إفترقوا بالجسد تظل الأرواح متعانقة.
ربما يصير بينهم ما يُعرف بالتخاطب عن بُعد،
فكرياً حين يتم الإنسجام روحياً كما يحدث لنا أحياناً مع من فارقونا بإنتقالهم عن هذا العالم.
رفقاء السفر لا مدّ ولا جزر بينهم ولا خوف ولا قساوة في التعامل،
لأنهم يدركون أن الوقت قصير بينهم ولايتعدى مدة الرحلة مسافة الطريق.
كل منهم مستعد أن يمنح الأخر كل ما يملك ولو طعامه وشربه وهِدمته يلي يرتديها لو شعر أن الأخر بردان.
يتبادلون شُرب قهوتهم طول وقت رحلتهم، و القهوة تفرغ والكلام يستمر لآخر لحظة ولا ينتهي،
قبل أن ينزل كل واحد محطته وهو يحمل في قلبه كثير من الجُمل والكلمات التي لا يسعفه الوقت لقولها،
ربما لأن الوجوه قد لا يسعهم الزمان ولا الصُدف لأن تتقابل ثانية.
تتوالى الوجوه علينا عبر الرحلة ولا نتذكر إلا وجه واحد إنطبع على ملامحنا وإكتوى القلب ببصمته وخبأناه بإيدينا في وجدان الصمت،
حين ضممناه بحب وأغلقنا عليه صدورنا. مشاعر الذكريات والبُعاد و ربما الفُراق المكتوب على جميع البشر،
كم هي متعبة حين تستيقظ الذاكرة وكم هو مضني بذلها في الغياب،
وفي عزلتنا وفي منافينا، والكلمات تخوننا حين تصل أو لا تصل والحروف جافة لا مشاعر لها،
لأنها بلا دماء ولا حياة.
ماذا لو كنا نعيش جميعاً حياتنا وكأنها رحلة قصيرة ربما أقصر من رحلة القطار،
وتعاملنا بنيّة نقية وصادقة بالحب وبساطة القلب مع كل من يصادفنا،
ستصير الحياة أخف عبأً وساعتها ستتجلى مشاعرنا الإنسانية الحقيقية الخلاقة مع بعضنا ثم في المجتمع فالوطن،
الوطن كُتلة من مشاعرنا وضمير إنساني حيّ مني ومنك ومنهم. فالجميع على مفترق الطريق مهما طالت رحلتنا في الحياة،
سيسلكون في النهاية طريقهم الواحد هو الطريق الصاعد، حاملين فينا حقيقتنا وما جنته قلوبنا سواء كانت صادقة أو مملوءة رياء،
سنأخذ معنا ما تسلمناه من خبرتنا الإنسانية وما صُنّاه من مشاعر نخاف عليها و توحدت فينا.
فليس هناك في زمننا هذا أجمل من يد ممدودة بدفء،
يد صادقة بيضاء كالثلج، نتشبث بها و نغلق في كفيها جفوننا و غفوتنا حين يقتحمنا التعب وتيه الغُربة،
وبعد كل قسوة تترك نِصالها حد العِظام.