ماذا جرى لمصر؟
4 فبراير، 2016 مقالات واراء
وصلنى مؤخرا فيديو عن مصر التى كانت، قبل ان تعبث بها أيادى الاسلاميون والعروبيون والقومجيون. والفيديو بالابيض والاسود، فالتصوير الملون لم يكن قد عرف بعد، مثل اشياء كثيرة لم يكونوا يعرفونها كالتلفاز والمحمول ووسائل الراحة التى يمتلكها الآن معظم الناس. ومع ذلك فالفارق بين مصر التى كانت والتى هى كائنة الآن كفارق السماء عن الارض.
كان غائبا عن مصر فى تلك الفترة اشياء مثل اكوام الزبالة والعشوائيات وطفح المجارى والزحام والتحرش.
وكان موجودا شىء اسمه كنس الشوارع ودهان العمارات كنوع من النظافة وايضا الجمال. نعم الجمال! الذى اصبح بعد ذلك نوعا من الرفاهية نستطيع ان نعيش بدونه. وبمناسبة الجمال كان هناك شيء ظريف اسمه الحدائق العامة بها الزهور والورود والاشجار التى اكتشفنا بعدها انه لا فائدة عملية لها فاقتلعناها وحولنا ارضها الى مزيد من العشوائيات.
كانت النساء فى تلك الفترة انيقات بغير ابتذال. وكانت ملابسهن تعكس آخر صيحات الموضة التى كانت احيانا تظهر فى القاهرة قبل باريس. وكانت للنساء وقتها شعر وسيقان اختفى معظمها الآن الى ما وراء الحجاب.
كانت مصر دولة كبرى يحترمها الجميع. وكانت حدودها فى وقت من الاوقات تشمل مصر والسودان واجزاء من ليبيا. وصدق او لا تصدق انه فى سنة 1862 ارسلت اليابان بعثة لدراسة عوامل النهضة المصرية حتى تتبناها فى بلادها. وايضا صدق وان بريطانيا العظمى اخذت من مصر سلفة قدرها 3 مليون جنيه وهى توازى 29 مليار جنيه بحسب قيمة العملة الحالية.
كانت مصر (مثل امريكا) البلد الذى يهاجر اليه الناس طلبا لحياة افضل. كان ياتى لمصر مهاجرون من اليونان وايطاليا وتركيا ولبنان وسوريا وغيرها. وكانت العملة المصرية لها غطاء نقدى قوى لدرجة ان المال كان يحمل اسم مصر (مصارى). كان الجنيه المصرى وقتها يستبدل بجنيه ذهب (وتأخذ الباقى خمسة تعريفة). اليوم اصبح الجنيه الذهب يوازى اكثر من 2200 جنيه.
فماذا جرى لمصر؟ فيما يلى بعض العوامل التى اوصلت مصر الى ما هى عليه الآن.
• ربط مصر بالعروبة وعزلها عن جذورها الفرعونية والافريقية والشرق اوسطية والاوربية. كان حلم عبد الناصر ان يوحّد الشعوب العربية فى اطار القومية العربية لاحياء وهم الخلافة ونجح مبدئيا فى انشاء وحدة مع سوريا ولكن بنفس السرعة حدث الانفصال. وتأكد للجميع ان العرب غير قابلين للوحدة. وان حكامها لا يهمهم سوى البقاء على كراسى الحكم. ارتباطنا بالعرب انزلنا لمستواهم بينما هم، عندما اغتنوا من اموال البترول، سبقونا الى التحضّر. وبدلا من ان نرسل لهم البعثات التعليمية اصبح التعليم عندهم افضل مما عندنا. وبدلا من ان نتبرع لهم بكسوة الكعبة اصبحنا نحن من نمد يدنا لهم طلبا للمساعدة.
• ازدياد جرعة الاصولية الدينية والرغبة فى العودة الى حضارة القرن السابع الميلادى. وبدلا من اللحاق بركب الحضارة الغربية تولّد لدينا كراهية لها واصبحنا ننسب لها الكفر وابشع الاسماء. واقتنعنا ان التشبه بأسلوب الحياة القبلية البدائية هو طريقنا الى الجنة حيث سنتمتع بما قد حرمنا منه فى هذه الدنيا.
• الانفجار السكانى مع عدم التخطيط للزيادة الكبيرة فى عدد السكان. قبل 1952 مباشرة كان تعداد المصريين حوالى 22 مليون. اليوم اصبح العدد حوالى 90 مليون. هذا بينما الرقعة الزراعية لم تزيد لتشبع هذا الافواه الجائعة. كما ان المؤسسات الخدمية لم تتزايد بنفس النسبة. هناك عجز واضح فى فرص العمل، والسكن، والعلاج، والدواء، والمواصلات، والطرق، والامن والامان، وغيره وغيره.
• طرد الاجانب من مصر. هؤلاء اتوا لمصر واستفادوا وكوّنوا ثروات. ولكنهم افادونا واعطونا خبرتهم وعلمهم ومهارتهم. كانت مصر بوجودهم لها مذاق حضارى وجمالى خاص. ولكننا اضطررنا ذوى الاصول الاوروبية الى ترك مصر. وايضا طردنا يهود مصر الذين لهم جذور مصرية تعود الى آلاف السنين. حتى بعض الاقباط اضطروا الى هجرة بلدهم، واغلقنا الباب علي انفسنا فظللنا فى مكاننا، ثم بدأنا رحلة التقهقر للوراء.
• ظهور الارهاب وتصديره للعالم وفى نفس الوقت رفضنا استيراد حضارتهم على اعتبار انه علمانية كافرة بينما نحن المؤمنون. وظهور الجماعات الارهابية عندنا دفع دول العالم ان تتدخل فى شئوننا وتستخدم اراضينا كميادين للمعارك مع هذه الجماعات ونتيجة لهذا حل الدمار ببلادنا واضطرت شعوبنا للفرار سعيا للجوء الى دول كنا وما نزال نكرهها..
• انهيار التعليم. كان وزير المعارف طه حسين يصف التعليم بأنه كالماء والهواء اى انه حق طبيعى مجانى للمواطنين جميعا. وكانت المدارس الحكومية بها كل العوامل اللازمة للتعليم الناجح: الفصل- المدرس- المنهج- المعامل- والملاعب. بل كان ملحقا بكل مدرسة مطعما يقدم للطلبة يوميا وجبة ساخنة من الرز والخضار واللحوم. انتهى كل هذا، وتحوّل التعليم الى الدروس الخصوصية التى تعلم الطالب كيف يجتاز الامتحان دون تعليم او تربية.
• وفوق هذا كله انتشار الفساد الحكومى والانحطاط الاخلاقى ولجوء الناس الى الفهلوة مع اتقان اساليب المراوغة والغش والتسيب والاهمال وعدم الانضباط.
هذه بعض الاسباب التى اوصلتنا الى حيث نحن الآن. لم تصل مصرالى هذا لنقص فى كفاءة شعبها وهم الذين بنوا اعظم حضارة عرفها التاريخ، والذين أثبتوا قدراتهم حيثما ذهبوا. انه تراكم المشكلات وتاجيل الحلول وغياب الارادة بالاضافة الى التواكل القاتل الذى يدفعنا الى القاء تبعة الامر كله على الله. بديهى ان العلاج هو تغيير المسار والمثابرة بالعمل الشاق. اما اذا استمرينا فى نفس طريقنا فسنزداد من سىء الى اسوأ. ونكون نحن من جلبنا هذا على أنفسنا، واياك يلوم أحد إسرائيل او أمريكا، أو يقول إن الله شاء.