الجمعة , نوفمبر 22 2024
الكنيسة القبطية
د.ماجد عزت إسرائيل

النظام القضائى فى مصر .

د.ماجد عزت إسرائيل
عندما تولى محمد على (1805-1848م) حكم مصر كان على القضاء قضاة ترسلهم الأستانة ويحكمون حسب المذهب الحنفي برغم شيوع المذهب الشافعي في مصر في تلك الفترة، ولم يكن هؤلاء القضاة فوق مستوى الشبهات حيث كانوا يمارسون القضاء؛ بما يتماشى مع مصالح دولتهم وأهوائهم الشخصية، ولعل من أبرز مظاهر الفساد القضائي في تلك الحقبة شراء القضاء مناصبهم ومن البديهي أن ينعكس ذلك على أحوال القضاء سوءًا وفسادًا.
وبمجيء الفرنسيين أنشأ بونابرت محاكم ذات صبغة خاصة تشكل أعضاؤها من التجار المسلمين على وجه الخصوص للنظر في الدعاوى التجارية، أما الدعاوى المدنية والجنائية، فقد أولى أمرها إلى السلطة العسكرية في التحقيق والتنفيذ وذلك بموجب قانون أصدره الفرنسيون سنة 1800م وظل العمل به حتى خروجهم.
فلما تولى محمد على حكم البلاد، قام بتحديث القضاء مع عدم المساس بالشريعة الإسلامية، فأقام إلى جانب المحاكم الشرعية مجالس ذات كيان قضائي، فأنشا “ديوان الوالي”، ثم شكل “المجلس العالي الملكي” واعتبره هيئة قضائية عليا، وبالرغم من ذلك لم تلق قبولاً من بعض السكان لاعتمادهم في بعض قضاياهم على العرف القبلي،ولم تتأثر به محاكمها إذ ظلت تنظر في القضايا المختلفة التي تطرح عليها.
وحرصًا على عدم انشغال الفلاحين إلا بأمور الزراعة، أسند الباشا إلى حكام الأقاليم والمأمورين ونظار الأقسام، النظر في الدعاوى المقدمة منهم وتحقيقها لإنصافهم من ظلم حكامهم مما كان يؤثر على الإنتاج، كما خصص معاونين وكتبة ومراقبين لمتابعتهم إنجاز هذه الدعاوى، وأمرهم بعدم إصدار حكم بإعدام المدعى عليهم إلا بموافقته حرصًا على تحقيق العدالة، وبالرغم من ذلك أسرف بعضهم في استغلال سلطتهم والتسرع في إصدار الأحكام.
وعلى أية حال، واصل باشا مصر تطوير القضاء فأصدر أوامره في 3 محرم 1258هـ/ فبراير 1842م، بتأسيس مؤسسة قضائية حديثة عرفت باسم (جمعية الحقانية)، غير مرتبطة بالشريعة الإسلامية، بل تعتمد تشريعاتها على المزج بين القانون العثماني والقانون الفرنسي – ولهما الخلفية في التطبيق- وأحيانا دخلت الشريعة الإسلامية وهنا يجب الإشارة إلى أن القضايا ذات الطابع الشرعي كانت تحول إلى المحاكم الشرعية.
كما اتجه محمد على إلى التخصص في المؤسسات القضائية، فقد أصدر أوامره في سنة 1261هـ/ 1845م، بإنشاء مجلسي تجار الإسكندرية، ومصر في سنة 1262هـ/ 1846م وهما من المجالس المتخصصة للنظر في كافة القضايا التجارية التي تحدث بين الأجانب والمصريين، وبين التجار المصريين بعضهم مع البعض، وكان لا يتم النظر في هذه الدعاوى إلا بعد موافقة مدير الديوان العالي.
واستمر الوضع على ما هو عليه في عهد عباس، ولم يحدث تعديل سوى أن تحولت (جمعية الحقانية) إلى ما عرف باسم (مجلس الأحكام) التي أنشأها عام 1849م واختصت بالقضايا الكبيرة بينما أحيلت القضايا الصغيرة إلى المحاكم الشرعية، وغدت هذه المجالس بمثابة محكمة استئنافية عليا.
وشكلت أيضا (مجالس الأقاليم) بصدور لائحة لها في 13 شوال 1268هـ/ أول أغسطس 1851م وكانت تتكون من خمسة مجالس، منها على سبيل المثال مجلس طنطا، الذي تولى نظر قضايا مديريات الغربية والمنوفية والبحيرة، وكان مكونًا من رئيس وأربعة أعضاء وأربعة كتاب واثنين من علماء الأزهر كمفتشين، أحدهما حنفي المذهب، والآخر شافعي يعاونهما اثنان من مشايخ البلاد، بغرض الحد من سلطة الإدارة على القضاء.
أما محمد سعيد باشا فقد اتجه إلى إصلاح القضاء، فاحتفظ لنفسه بحق تعيين القضاة بعد أن كان من حق قاضي القضاة التركي، وألغى مجالس الأحكام عام 1854م، ثم أعادها بعد عامين وأدخل عليها بعض التنظيمات، كما أنشأ مجلس قومسيون مصر، سنة 1278هـ/ 1861م، للنظر في الدعاوى بين الأجانب والمصريين.
ولما تولى إسماعيل الحكم وجه عناية خاصة إلى تنظيم القضاء، فأصدر أمره إلى مجلس الأحكام في 27 رجب 1279هـ/ 19 يناير 1863م بتعميم مجالس الأقاليم القبلية والبحرية للفصل في المنازعات والدعاوى، مع إدخال بعض التعديلات ومن هذه المجالس مجلس طنطا واختص بالغربية والبحيرة، وأعطى مجلس الأحكام صفة محكمة النقض والإبرام وأحيلت إليه إدارة المجالس وكون سلطة تشريعية اعتمد فيها على التشريع الفرنسي، وفى سنة 1871م شكلت مجالس الدعاوى القروية، كما أصدر أوامره عام 1876م بإنشاء المحاكم المختلطة، وكذلك نظارة الحقانية عام 1876م وأسند إليها أعمال القضاء بدلاً من الداخلية.
ومع بداية حكم توفيق ساءت أحوال القضاء لانتشار الفوضى والفساد، وفقدت العدالة مكانتها، فأصدر توفيق أوامره في سنة 1880م بتشكيل لجنة قانونية لإصلاح القضاء، فأوصت بالاعتماد على القضاء المختلط، وإنشاء المحاكم الأهلية 1883م، وبإنشائها تحكمت السلطة التنفيذية في وظائف القضاء وتقلس نفوذ المحاكم الشريعة، وأصبحت لها الهيمنة القضائية في إطار ما أنيط بها.
وحرص مندوبو الاحتلال البريطاني لمصر سنة 1882م، على الاهتمام بإصلاح القضاء لتحقيق مصالحهم فشاركوا في المحاكم الأهلية، ولجان التحقيقات، وأوجدوا وظيفة المستشار القضائي 1890م، وأصبحت كلمته هي القرار، واستمر تغلغل النفوذ الأجنبي في القضاء حتى 1914م.
وفيما يتعلق بالنظام القضائي في مصر فقد كان يتكون من قاضي القضاة، والقضاة، ومعاونيهم من المأذونين والشهود والكتبة والمحضرين، إلى جانب ذلك كان هناك أربعة مفتين على المذاهب الأربعة، وهو النظام القائم في جميع أنحاء البلاد بمصر.
وقد ارتكز هذا النظام على عدة صيغ قضائية معروفة آنذاك وهي الإشهادات، والضمانات، والأوقاف. وسوف أتناول الآن دورها في تحقيق السياسة المركزية للدولة:
الإشهادت:
وتمثل إحدى صور المعاملات أمام المحاكم الشرعية، والتي تهدف إلى حفظ حقوق المتعاملين فيما بينهم وبين الدولة، إذ يشهد الأفراد بمحض إرادتهم واعتراف غيرهم عليهم بأنهم أخذوا أو قبضوا أو تسلموا أصنافًا ما من الجهات الميرية أو فيما بينهم، بحيث تضمن الدولة حقوقها، وتؤدي دورها في تأمين سلامة حقوق الآخرين.
الضمانات: والضمانة هي شكل من أشكال التعامل بين الأفراد والحكومة أمام المحاكم الشرعية في البحيرة والوادي، إذ يتم بمقتضاها حجز السكان وتنظيمهم ومراقبتهم وإصدار التعليمات إليهم والقبض عليهم عند الضرورة أو بضامنيهم، وهي نوعان، ضمانة غرم وإلزام، أي أن يقوم الضامن يقوم بسداد ديون المضمون أيا كانت، والثانية هي الكفالة ويكون الضامن بمقتضاها مطالبًا بإحضار المدعي عليه في حالة هروبة أو تأخره.
الأوقاف: احتلت الأوقاف أهمية كبيرة في تاريخ مصر الاجتماعي والاقتصادي بصفة عامة ، لحاجة المنطقة إلى مشروعات خدمية، عجزت الدولة عن توفيرها، كما كانت مصدرًا مهمًّا من مصادر الدخل للعديد من الفئات.
وكان للمحاكم الشرعية دوراً في حماية الأوقاف، يبدأ من قيام القاضي بتسجيل الوقف، وإن كان الوقف في حد ذاته يتم حتى قبل تسجيل الوقف أمام القاضي، بنطق الواقف لفظ الوقف، ولجأ الواقفون إلى هذا الأسلوب باعتبارها الأمثل من وجهة نظرهم الذي يضمن لهم حفظ ثرواتهم وعدم تبديدها أو مصادرتها، ولضمان الاستمرارية لأعمالها الخيرية، فضلاً عن ضمان دخل ثابت لذريتهم من الريع العائد من هذه الأوقاف.
وكذا يتضح لنا ، أن القضاء قد مر بمرحلة تطور بدأ من مجالس الدعاوى والمحاكم الشرعية انتهاءً بالمحاكم الأهلية، ومع وجود الاحتلال البريطاني لمصر وجد القضاء المختلط، مع إيجاد صيغ قضائية متداولة بالساحة القضائية.

شاهد أيضاً

سوهاج

خالد المزلقاني يكتب : أوكرانيا وضرب العمق الروسي ..!

مبدئيا أوكرانيا لا يمكنها ضرب العمق الروسي بدون مشاركة أوروبية من حلف الناتو وإذا استمر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.