الجمعة , نوفمبر 22 2024
منير بشاى

بل هو ازدراء بفاطمة ناعوت!

لا اعتقد ان ما نسب لفاطمة ناعوت فيه مساس بالدين، اى دين.

ولا اظن ان الكلام فيه يمس القضاء من قريب او بعيد.

ولكن ان كان فى الامر ازدراء فهو ازدراء بحق الانسان ان يعبر عن نفسه طالما لا يسىء لإنسان آخر.

وان كان فى الامر مساس بالقانون فهو محاولة تحرير القانون من سيطرة التعصب والمطالبة ان يكون القانون حاميا لحريات المواطنين وليس سيفا مسلطا على رقابهم.

صدر الحكم على فاطمة ناعوت بالسجن ثلاث سنوات بتهمة ازدراء الاديان.

والاديان هنا اشارة للدين الاسلامى الذى لم تتعرض فاطمة ناعوت له بكلمة واحدة. قيل ان ناعوت ابدت مشاعر الاسى ازاء ما يحدث عند ذبح الاضاحى. كانت ناعوت تظهر بعض مشاعرها وهذه هى وظيفتها كاديبة وشاعرة.

يجب ان يوضع فى الاعتبار ان هذه المشاعر صادرة من انسانة لها طابع خاص فهى نباتية لا تتعاطى اللحوم لانها لا تطيق فكرة ذبح اى كائن حى مهما كان. لم تناقش ناعوت الدين او تنتقده ولكنها ابدت مشاعرها ازاء منظر الدم الذى اثار مشاعرها. وقد شرحت مشاعرها ذات مرة ازاء طريقة الذبح نفسها عندما كان يذبح الخروف بينما الخروف الذى سيذبح بعده واقفا يشاهد المنظر وكانت ارجله ترتعش من الرعب. كانت ناعوت تدافع عن حق هذا الحيوان الاعجم. فهل من يبدى مشاعر الرأفة بالحيوان اصبح يزدرى بالدين نفسه؟

شخصيا لا اعلم الدافع الذى دعا فاطمة الى هذا الموقف ولكننى افهمه جيدا. ابننا الان فى الاربعينات من عمره وهو متزوج وله ابنتان جميلتان هما بهجة حياتى. ولكن اذكر انه عندما كان ابننا طفلا فى الخامسة من عمره وكنا ناكل وجبة من الدجاج انه قال عبارة لن انساها. نظر الى الدجاجة المطبوخة والموجودة على المائدة وقال “I feel sorry for the chicken“ (أحس بالاسى على الفرخة) هذه كانت مشاعره قد عبر عنها بكل صدق. ومن ناحيتى لم اوبخه على كلماته او اعطيه درسا فى الدين واقول له ان هذا هو ترتيب الله ومن يعترض عليه هو يعترض على الله…الخ. كنت متاكدا ان الولد كان مخلصا فى مشاعره وان احساسه نبيل لانه لا يريد كائنا ان يتألم. وعدم تضخيم الموضوع جعل الامر يمر دون مشكلة وعندما كبر غير موقفه.

المشاعر تحدث لنا رغما عنا واحساساتنا يمكن ان نخفيها ولكن ليس فى امكاننا ان نغيرها بسهولة. ولكن المشكلة حدثت عندما جاهرت ناعوت بمشاعرها. ربما اعتقدت انها من حقها ان تعبر عن مشاعرها حتى اذا كانت لا يشاركها فيها غالبية الناس. وهذه هى الحرية الحقيقية. ومن جانبنا من الممكن ان نتفق مع ناعوت او نعترض عليها فى هذه المشاعر. ولكن لا يستطيع احد ان يلغى هذه المشاعر عند ناعوت بما فيه هى نفسها ولا يستطيع احد ان يقول ان هدف ناعوت كان الازدراء بالدين. ولا اظن ان الله غاضب عليها فى التعبير بكلمات لا تهدف الى ايذاء احد بل الى رفع الاذى بحسب مفهومها.

باختصار فاطمة ناعوت شاعرة مرهفة الحس صادقة المشاعر. ما فعلته انها عبرت عن هذا المشاعر بادواتها التى تمتلكها وهى الكلمة. هى لم تستخدم سلاحا لتفرض رايها على احد. واجب الدولة والقضاء والنيابة والشرطة والاعلام وكل مؤسسات الدولة ان يحموا حقها فى التعبير عن الراى السلمى. وعندما لا يحدث هذا يكون هناك ازدراء من نوع آخر وهو الازدراء بفاطمة ناعوت و حقها فى حرية التعبير عن رايها فى بلد يدعى انه يحمى الحريات.

شاهد أيضاً

جورج البهجوري بنكهة وطن !!

بقلم عبدالواحد محمد روائي عربي فنان تشكيلي كبير عاصر كل نجوم الثقافة العربية محيطا وخليجا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.