بقلم:أنطوني ولسن-أستراليا
يرسل أغنياء الدول النامية أبناءهم الى الخارج لتحصيل العلم بكل فروعه.والطامحون من أولاد الفقراء يسافرون أيضا الى خارج دولهم النامية لتحصيل العلم مثلهم مثل أولاد الأغنياء.الفارق بينهما ،ان ابن الغني معه المال وابن الفقير عليه أن يحصل على المال بالعمل من أجل اجازة جامعية يعود بها لخدمة وطنه وأبناء وطنه ووالديه.
يتعلمون في الخارج الطب والهندسة والكميمياء والأدب وجميع العلوم التي يعرفها العالم المتحضر بطرق متقدمة ودراسات تقوم على أساليب البحث وتقصي الحقائق مع استخدام أحدث الوسائل التكنولوجية الحديثة.
يعود أبناء الأغنياء القادرين،وأبناء الفقراء الكادحين ويحاول كل منهم الأنخراط في العمل حسب ما تعلم في الخارج.قد ينجح البعض ويعمل ويعطي.وقد يصاب البعض بخيبة أمل للبروقراطية التي تتحكم في حكومات الدول النامية.في مثل هذه الظروف غالبا ما يعود الخريجين الى الدول التي حصلوا منها على اجازاتهم العلمية.
السبب في ذلك غالبا ما يكون نفسيا،اذ يجد متعلم الخارج فجوة كبيرة بينه وبين المجتمع الذي عاد ليعطيه ما تعلم.سلوك الحياة العملية الذي تعلمه من علوم ودراسات يختلف تمام الإختلاف عنه في بلده ومسقط رأسه الذي كان الهدف الأساسي من سفره الى الخارج لتحصيل العلم وخدمة وطنه وتطبيق وسائل التكنولوجيا والمعرفة البشرية لخدمة وتقدم أبناء وطنه.قلائل هم الذين يستطيعون تضييق هذه الفجوة.اما بقبول واقع مجتمع أوطانهم ونسيان كل ما تعلموا في الخارج والأنخراط في الحياة العملية اليومية ومحاولة استغلال اسم البلد الذي تعلموا فيه لمنفعتهم الشخصية.وإما بقبول أيضا الأمر الواقع ويعيشون حياة روتينية لا طموح فيها.
ومن ضمن العلوم التي يتعلمها الإنسان في الخارج علم لا يدرس لا في المدارس ولا في الجامعات.علم يكتسبه الإنسان بالإحتكاك مع المجتمع والنظم الحكومية والأجتماعيه في البلاد التي يعيش فيها.انه علم الحياة الذي يختلف في نمطه عن علم الحياة الذي تعلمه في وطنه الأم.لكنه يشعر بطعم جديد ممتع للحياة الجديدة.يشعر بقيمة نفسه وقيمة آدميته ويعرف أن له كياناً مستقلاً.وأنه جزء في سلسلة اجتماعية متماسكة من أجل خدمة الوطن الذي يعيش فيه المواطن دون النظر الى لونه أو عقيدته أو دينه.
يجد الإنسان نفسه في مناخ اجتماعي ديمقراطي حر.يبدأ في تعلم معنى الديمقراطية ومعنى الحرية،ومعنى العمل والعمالة،ومعنى العلم وتسخيره لخدمة المجتمع والوطن.
تنتاب هذا الإنسان انفعالات نفسية كثيرة ومتعددة ومتشابكة.يتذكر وطنه الأم،يتذكر نشأته وتربيته في البيت وفي المدرسة وفي مكان العمل.يحاول أن يفنّد كل هذه الأشياء ليصل الى فكر واحد يؤمن به ويحاول تطبيقه ويخرج بحصيلة واحدة وهي لو أن بلده الأم تطبق ما يطبق في الوطن الثاني من معرفة حقيقة معنى الديمقراطية والحرية لانتقل وطنه من بلد نامٍ،بلد من العالم الثالث.الى بلد متحضر.
عند أول احتكاك له لتطبيق ما تعلمه في المجتمعات المتحضرة خارج أسوار العلم والدراسة.يخرج بجروح ساخنة من هذا الأحتكاك سواء حدث هذا الأحتكاك على أرض وطنه الأم أم مع المسؤولين من وطنه الأم على أرض وطنه الثاني الذي اختاره ليعيش فيه.
وهذا تماماً ما يحدث في كل مرة يحاول بعض من أحرار مصر في الخارج أن يقولوا بصوت عال وبكل حرية لا تؤذي الآخرين أن هناك خللاً في الشارع المصري.خلل في السلوك الأجتماعي والسياسي في مصر.نجد من يتصدى لهم ويقول ان الذي تتحدثون عنه نابع من الحرية التي تتمتعون بها في هذه البلاد الجديدة،انكم بعيدون عن أرض الواقع، انكم تغالون في كل شيء وتكبرون حجم المشاكل.قد يكون حجم المشكلة صغيراً مثل حبة “العدس”،تحولونها كبيرة جداً الى حجم “القرع”.كلامكم يؤذي من تدافعون عنهم أكثر من افادتهم.أنتم تعيشون في بلاد الحرية مستغلين هذه الحرية لا لخدمة وطنكم،بل لأثارة القلاقل وتشجيع الفتنة وتعريض الوحدة الوطنية للخطر.
تبدأ المأساة بمحاولة جعل هؤلاء الذين أحبوا الحرية ونطقوا بها لا من أجل حقوقهم بل من اجل حقوق أبناء وطنهم الذي احبوه لكنهم خارجين عن القانون ومطلوب تأديبهم وبث الرعب في قلوبهم لو عادوا أو أرادوا العودة لزيارة بلدهم لأنهم خونة يجب تأديبهم.
تماما مثل الذي تعلم الطب أو الهندسة في الخارج لا يستطيع آي منهم تطبيق ما تعلمه إلا إذا كان ابن أحد رجال الدولة والحكم.وأني أتساءل :من له حق الكلام وحرية ابداء الرأي في كل ما يتعلق بالأمور المصرية؟هل هذا حق قاصر على أبناء الوطن القادرين على التعبير بحرية فقط؟
لا أستطيع أن أحدد من له هذا الحق ومن ليس له هذا الحق ،وممنوع على أبناء مصر في الخارج ممارسة الحرية البناءة من أجل مصر وأبناء مصر.والتي قد تتعارض مع سياسة الحكومة أو محاولة شرح وجهات نظر معينة في قضايا معينة تهم الوطن مصر.وهل ممنوع على أبناء مصر في الخارج ممارسة الحرية البناءة من أجل مصر وأبناء مصر؟والتي قد تتعارض مع سياسة الحكومة أو محاولة شرح وجهات نظر معينة في قضايا معينة تهم الوطن مصر؟
هل أنا المصري الذي يعيش على أرض وطن أخر لي الحق في التعبير بحرية عن كل ما يدور في مصر دون تدخلات من الحكومة المصرية أو اتهامات من المسؤولين ضدي؟
بقي شيء واحد،أعرف أن الحكومة المصرية والمسؤولين في الخارج يعرفونه جيدا.أن سياسة دفن الرأس في الرمال لم تعد تصلح،وأن سياسة “تمام أفندم كل شيء على ما يرام” لم تعد تصلح!الأمر بسيط جدا..اننا نعيش الآن في قرية عالمية صغيرة وأنني تعلمت في الخارج كيف أمارس حريتي وأحافظ وأطالب بحقوقي.