الجمعة , نوفمبر 22 2024
الكنيسة القبطية
د.ماجد عزت إسرائيل

حلوان التى باعها الأقباط بعشرة آلاف دينار.

ماجد عزت إسرائيل

ظلت حلوان على مدى الآف السنين ،تفتح ذراعيها لتستفبل بالحب كل قادم إليها ،فما قصة هذه المدينة .

فى مصر بلدتان متجاورتان تسمى كل منهما حلوان ،إحداهما- وهى أقدمها –قرية حلوان التى أنشائها ” عبد العزيز

ابن مروان ” والى مصر (70هـ/689م) ، والأخرى مدينة حلوان الحمامات التى أنشائها الخديوى إسماعيل (1874م).

أما حلوان البلد فهى قرية واقعة على الشاطىء الشرقى للنيل ،غربى مدينة حلوان الحمامات بمقدار ثلاثة كيلو مترات ،وجنوبى القاهرة على بعد عشرين كيلومتراً من مصر القديمة .

ويرجع تاريخ إنشائها إلى ما قبل فتح العرب لمصر 620 م ،فقد أكدت الأبحاث والدراسات الجيولوجية

والحفريات والبرديات الفرعونية التى تم العثور عليها أن مدينة حلوان كانت إحدى المدن الفرعونية

التى استوطنها المصرى القديم وأطلق عليها اسم (عين آن ) وهو الاسم الذى تغير ووصل إلى” حلوان “.

وتنسب حلوان إلى “حلوان بن بابليون بن عمرو ابن امرىء القيس “ملك مصر ،وأن حلوان هذا كان بالشام على مقدمة جيش” أبرهة ذى المنار “أحد التابعة .

ووصفها ياقوت الحموى فقال :”حلوان قرية من أعمال مصر ،بينها وبين الفسطاط نحو فرسخين

من جهة الصعيد ،مشرفة على النيل ،وبها دير (شهران،الأنبا برسوم حاليا ) ” .

وكان أول من اختطها” عبد العزيز بن مروان “والى مصر وضرب بها الدنانير.

وقد اختار” عبد العزيز بن مروان” المكان الذى أنشأ فيه حلوان لارتفاعه عن الفسطاط ،وقربه منها

وحسن موقعة ،ونقاء هوائه ،ولذا اشتراه وأنشأ به حلوان ( 70هـ/689م) 

ووصفها ابن تغرى بردى ،حيث قال :

“وفيها تجول عبد العزيز بن مروان إلى حلوان ،واشتراها من القبط بعشرة آلاف دينار”.

وسرعان ما انتشر اسم حلوان خلال هذا الخليفة ،وهو والد الخليفة العادل “عمر بن عبد العزيز بن مروان”

الذى انتقل للإقامة بحلوان ،وصادف انتقاله انتشار مرض الطاعون خلال الفترة من (685-705م ).

ومع تولى “عمر بن عبدالعزيز “الخلافة شهدت حلوان مرحلة جديدة حيث أقام بها ،وجعل الحرس والأعوان

والشرطة وبنى بها المساجد وأحكمها وغرس كرمها ونخيلها واختار لها اسم “حلوان “

لأنها تشبه فى موضعها حلوان التىبـ (العراق ).

ومدينة حلوان البلد من الناحية الإ دارية ،كانت تابعة لنواحى الاطفحية (مركزأطفيح ) ثم تم إلحاقها بمركز

(الصف) ،التابع لمديرية( الجيزة)، ومن الناحية المالية كانت ذات زمام زراعى مستقل .

أما حلوان الحمامات ،فقد أنشأها الخديوى إسماعيل سنة (1285هـ/1871م)، وبعد ثلاث سنوات أى فى سنة

( 1285هـ/1874م)،أمر ببناء مدينة حلوان الحمامات، وهى مدينة واقعة فى سفح الجبل الشرقى

وأغلب سكانها من أهل القاهرة،ومن الناحية الإدارية كانت تابعة لمحافظة (القاهرة) منذ نشأتها ،وفى( 17 إبريل 2008م )،

وفى عهد الرئيس السابق ” محمد حسنى مبارك ” انفصلت عن القاهرة وأضيف إليها بعض المدن وأصبحت

محافظة مستقلة بذاتها .

وقد شهدت حلوان خلال النصف الثانى من القرن التاسع عشر نمواً عمرانياً اتخذ اتجاهين

تمثل الأول فى زيادة رقعة القاهرة من ناحية المساحة ،

أما الشكل الثانى فتمثل فى اذدياد العمران والأبنية المختلفة داخل المساحات الخالية الممتدة فى القاهرة

أو مكانة البيوت الآيلة للسقوط ، ويلاحظ أن ازدياد العمران ؛ لم يكن نتيجة خطة مدروسة ومسبقة

ولكنه تم كرد فعل لانشطة صناعية وتجارية وسياحية وعسكرية وصحية مختلفة .

ولذلك فإن عمران مدينة حمامات حلوان جاء نتيجة لاستغلال عيون المياه الكبريتية ،وتعدد إنشاء الحمامات بها

ورغبة الارستقراطيين لسكناهم فى الأحياء الهادئة ،ولذا كثرت بها المحلات التجارية التى تدر عائدا ًماليا يسهم فى الاقتصاد القومى .

و عندما أمر الخديوى إسماعييل (1863/1879م) ببناء حلوان لما تبين من مزايا مياها المعدنية الكبريتية

يعنى بعمرانها فشيد بها قصراً فخماً عرف بقصر “الوالدة” نسبة والدته ،ويوجد الآن خلف عين حلوان أو بالتحديد

خلف ” جامعة حلوان” التى أنشئت عام (1975م) .

أما عن المواصلات من وإلى حمامات حلوان فقد كانت وسيلة الآنتقال هى ” الأمنيبوس “

وهو عبارة عن عربة تجرها أربعة بغال و تسع لسته مقاعد ، و كان يتم رحلة من القاهرة إلى حلوان ثلاث مرات

فى الأسبوع 

و كانت أجرة الفرد ( 10 فرنكات )،بينما كان إيجار العربة التى يجرها 4 خيول من (50إلى 80 فرنكاً).

وكان لتطور وسائل المواصلات فى عهد الخديوى إسماعيل مردوده على حلوان ،وخاصة السكك الحديدية التى مدها

فى أنحا البلاد ،فكان للمدينة نصيباً،فربطها بخط سكة حديد باب اللوق –حلوان( سنة 1871م ).

ولتنظيم حركة استخدام الحمامات،حرص الخديوى إسماعيل على ترتيب هذه الحمامات إلى ثلاث درجات تبعا ًللأجرة

ونوعية الحمام المطلوب فصـدرت تعريفة الدرجة الأولى ( 12قرشاً ) والثانية (6 قروش )

والثالثة (3 قروش )  ويسمح للأفراد الفئات الثلاثة استخدام المياه العزبة مجاناً،والحمامات البخارية بفائتها الثلاثة بنفس الأسعار.

أما الاستحمام بالرشاشات الصاعدة ( الدش) فبلغت الدرجة الأولـى عشرة عشرة قروش ، والثانية خمسة قروش

و الثالثة فكانت قرشين ، والذين رغبـوا فـى الاستحمام بمنازلهم سمح لهما بشراء المياه بمبلغ (12فضة )لكل (10سم مكعب) ،أما من فضل غسل الارجل مغطسة ،فكان يدفع اثنين فضة

ولم يهمل حق الفقراء فى الاستحمام بهذه الحمامات ،فسمح لهم بذلك ،على أن يحصلوا على موافقة من دكتور

الحمامات (من أشهرهم رايل و برهان ) أو المفتش القائم على متابعة أعمالها، وربما توجب عليهم تقديم شهادة فقر تثبت حالتهم .

ونظر لتوافرالأجانب إلى مدينة حمامات حلوان ،عمل الخديوى إسماعيل على إنشاء فندق (جراندأوتيل)

وهو الآن “(مدرسة حلوان الثانوية بنات ) وقاعات للجلوس (رجالى وحريمى ) وللمطالعة والموسيقى وللعب البلياردو .

وبين عشية وضحاها تحولت المنطقة برمتها إلى واحدة من أجمل وأهم المشاتى العالمية التى يأتيها الأجانب من كل صواب وجدب .

ومن أشهر الشخصيات التى زارت حلوان للاستشفاء بمياها الأمير “ليوبولد “والإمبروطورة “إليزبث”

إمبراطورة النمسا والمجر “وإدوار الثامن “ملك بريطانيا ،بالإضافة إلى الخديوى” إسماعيل باشا” ،و”توفيق

(1879-1892م) ،وعباس حلمى الثانى(1892-1914م) وزوجاتهم والملك فاروق(1936-1952م ) .

كما كان يزور المنتحع بصفة منتظمة اللورد “كرومر”واالجنرال ” أربوثنوت ”

قائد فرق حرس الفرسان السابقة الذين أرسلوا إلى حلوان بعد حـرب ( 1882م )

للعلاج من داء التيفود الذى اصابهم فى أثنا معركة التل الكبير .

وبلغ من إعجاب الناس بمدينة حلوان وبهوائها ومياهها أن المسيـو” بلان ” Blane))

صاحـب كازينو ” مونت كارلو ” الشهير بأمارة موناكو ، و كـازيـنو “هامبرج” بألمانيا،عرض على الخديوى

إسماعيل مبلغا ًمن المال ليصرح له فيها بفتح كازينو على شاكلة المذكورين ولكنة رفض ،لما خشى إلية من سوء

مآل أسرته وتبد أمولها فى الباطل .

كما أعجب بها الأب “كاسمير جياكوميللى ” ، فأنشاء المدارس( التبشرية ) الارسالية 

وأهمها مدرسة العائلة المقدسة بحلوان ( بنين- بـنات ) التـى تأسست سنة ( 1887م ) 

ومنح حق الإلتحاق بهما لجميع أبناء المدينة من الطبقات ( العليا والأدنى) فتساوى الجميع فى التعليم

ونمى الوعى الثقافى ، وكان هؤلا نواه للجهاز الإدارى بالمدينة ،ولاتزال هذه المدارس تؤدى دورها

حتى يومنا هذا .

ويوجد بحلوان العديد من المناطق السياحية مثل دير(شهران) الأنبا برسوم العريان بالمعصرة 

والجامع التوفيقى الذى تأسـس( 1884م) ؛ قصـر الخديو توفيق (الآن مدرسة تجارية ) 

و قصر الملك فاروق (الآن متحف ) ومتحف الشمـع (بمنطقة عين حلوان) ، ومرصد حلوان الذى تأسس سنة (1903م) ،والحديقة اليابانية

التى تأسست سنة ( 1919م)،وعيون المياه الكبرتية (الكبرتاج أفتتحت سنة 1871م،وحديقة 6 أكتوبر 1959م ،ومركز النسجيات 1970م 

واتخذت شوارع حلوان شخصيات بارزه على أرضها طوال عصورها المختلفة ،وكان لهم حضور،لا فى تاريخ

حلوان بل فى تاريخ الوطن كلة

فنذكر على سبيل المثال حيدر باشا ،وراغب باشا، و إبراهيم باشا، وشريف باشا ، والمراغى (شيخ الأزهر )

ورايل باشا الألمانى ، وبرهان باشا الأرمنى .

نستخلص مما مضى أن مدينة حلوان كانت ضاربة فى التاريخ المصرى منذ أيام الفراعنة

ووالاها حكام مصر الأقدمين؛ منذ أن باعها الأقباط لعبدالعزيز بن مروان إلى أسرة محمد على

حتى آلت إلى ما آلت إلية من حاضرة استقطبت جميع فئات الشعب المصرى ، ومما يؤسف له أنها

لم تسر على نفس الوتيرة بحيث اكتظت سكنها على نحو ضاعت معه معالمها وتوقفت حركـة التشيد والاستقطاب

السياحى، اللذين كانا مأمولين لها

ونطمع أن تهيىء لها الأقدر من ولاة الأمر من يقوم على رعايتها ،بحيث تعود حلوان الجميلة التى كانت تذكر

فيذكر الهدوء والسكينة والجمال مقرونة بالاستشفاء .

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

قومى استنيرى

كمال زاخر رغم الصورة الشوهاء التى نراها فى دوائر الحياة الروحية، والمادية ايضاً، بين صفوفنا، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.