أثبت شعار الجوع ، ولا الركوع عدم صلاحيته لبناء الإنسان، فالجائع مهزوم، مقتول، مستسلم.
اليوم تجري اتفاقيات استسلام الشّعب السوري من قبل أطراف دوليّة مع مسلحي مليشيات النّظام وإيران ويتم إرضاء هذه المليشيات عن طريق تقديم صور الهياكل العظميّة لسكان مضايا وغيرها من المدن السوريّة المحاصرة كوجبة شهيّة على طبق إيران. هو عقد اجتماعي جديد يقرّ بعبوديّة الشعب السوري، أو ما تبقى منه للنّظام، أو بيعة جديدة إلى الأبد .
ليس الأمر بهذه البساطة، فمن فقد أهله، ومات أبناؤه جوعاً لديه طريقان : إما أن ينضمّ لفريق مسلّح حتى لو كان متطرّفاً من أجل العيش أي ” الشّبع” ومن أجل الإنتقام، وأما أن ينتظر أحذية العسكر و” ما يدعى” دفاعات مدنيّة لتركله، وتدوس على ظهره بينما يبحث عن الغذاء في القمامة.
النصف المعارض للأسد شكلاً والموالي لإيران فعلاً انسحب من تشكيلة اللجان المفاوضة، وبعضهم لم يدخلها أصلاً. أي أن إيران علّقت المفاوضات في جنيف حتى إشعار آخر، حتى لو جرت شكلاً في موعدها.
كيف استطاعوا أن يحوّلوا تلك الثورة المنادية بالحرّية إلى نداءات استغاثة من أجل لقمة طعام؟
سياسة التّجويع هي سياسة إذلال مثلها مثل سياسة التّعذيب بل هو تعذيب بالفعل، وربما الموت أسهل.يشرف المجتمع الدّولي على إركاع السّوري اليوم، وتسليم رقبته للسّلطة جائعاً مهاناً ذليلاً.
العالم يقول للسّوريين لابديل عن الدّكتاتوريّة إلا الإسلام السّياسي، لكن ماذا يبقى أمام الإنسان إن جاع ومات أهله إلا أن يفجّر نفسه بمن جعلوه يفقد كلّ أحلامه؟ الثورات العربيّة بدأت تنادي بالحرّية، وانتهت وهي تنادي بشعارات الدّولة الإسلاميّة مع أنّ المجتمع السّوري هو مجموعة من الأقليات المتعايشة منذ مئات السنين ، هو الآن متنافر متناحر يقتل بعضه البعض.
أغلب شهداء الثورة الأوائل كانوا مدنيين يحملون الخبز للمناطق المحاصرة، أو يقومون بواجبهم الطّبي وفق قسم أبقراط ، أو ضحايا من الأقليّات قام النّظام بعمليّات في مناطقهم تحت اسم داعش، وآخر تفجير كان في القامشلي ليلة رأس السنة حيث أن الجميع هناك يؤكد حسب ماقالت لي صديقتي التي كانت حتى تلك اللحظة مع النّظام لأنها لاترغب أن تخطفها داعش ، قالت بأنّه لم يكن هناك انتحاريون وقت حدوث التّفجير. كان قطع للكهرباء ثم تفجير، وأهل القامشلي وبخاصّة من فجعوا منهم تأكدوا بأنّه لا وجود لا نتحاريين.
أكثريّة السّوريين اليوم نزحوا أو هاجروا، وبقي أقلّية سوريّة قد يعوض النّظام عددياً بإيرانيين تحت اسم سوريين ، كما جرى في لبنان سابقاً.
لا أعتقد أن شعار الجوع ولا الرّكوع يصلح إلا للخطاب من على المنابر السّياسيّة ، ومن قبل أشخاص لم يلتقوا مع الجوع وجهاً لوجه، لكنّ ذلك الجوع السّوري وإركاع السوريين لن يمر بسلام، وسيكون التّغيير في كلّ العالم، سوف تؤثر تلك الثورة السّوريّة التي حملت شعار سوريّة بدها حريّة ، والشعب السوري واحد، والتي جوبهت بكلّ فصائل الشّر من كل حدب وصوب سوف تنتصرولو بهد حين . . .