محمد شلبى أمين
ساد الصمت . . إلا . . من صوت تضرعها وقت السحر.. وصوصوات الكتاكيت . . و خرير ماء الوضوء.
حمار معلق بعربة خشبية . . تصدر أصواتا مزعجة..توقظ النائمين ، ولد يحثه علي المسير . . فيسرع الخطي ، يزداد الصوت الصادر . . فيحدث ما يشبه الانفجارات الصغيرة .
أقرأ في جريدة الأمس التي لم أقرأها إلا الآن
عنوان كبير. . ” الكبت يولد الانفجار ” . .
أحاول الانفجار فلا أستطيع .
مهنتي التي لا أعرف سواها هي تدريس الفلسفة..وبحكم مهنتي أعود بكل شىء في النهاية متفلسفا . . حتي في أصعب اللحظات . . اعتدت في كل ليلة حينما يجافي النوم روحي . .أدفن رأسي في غطاء نومي . . و أنسي أني أسكن هذه الأرض .. أمني نفسي بالأمل . . الليلة أسلمت رأسي للوسادة . . و كأني أسلمها لغيري . . يسحب من عيني الضياء . . أنسي أني كائن حي .
أصبحت من قاطني عالم الحلم وجدته أسوأ من الواقع رأيت أشباح الليل تحاصرني . . تتمدد داخل أنسجتي ..تتفرق بين شراييني . . تتمني أن أتلاشي كي ما تخرج . . تملأ كل بقاع الأرض . . و يسود الخوف .
أستيقظ فزعا . . أسمع هذا الصوت القادم من أعماق بغداد . . يصرخ معبرا عن آلام أهلها . . يتغني باسمها بمجدها . . بتار يخها . . يبكي حالها . . يصفق له الناس . . يحلق شعر رأسه ويسير كجندي في الميدان ..يصرخ كأنه يمامة العراق تنوح في الليل لمقتل الحسين .
أحس بغربيتي داخل جسدي . . ترتفع حرارتي. . تفوق كل الترمومترات . . صداع يملأ كياني.. بداخلي إنسان مفكك . . من الطبيعي أن العقل هو القائد.
عقلي يقول : قم بنا نترجل . . أجدني لا زلت نائما .ساقي في ناحية . . والأخري في ناحية ، ويداي كل في عكس الأخري و رأسي متدل كأنه مقطوع ..وعيناي شاخصتان كأنهما عينا ميت . . ولساني ممتد للأمام كأنه خرج عن حدود الأدب . . فلا تستطيع شفتي الإمساك به .
و أذناي تتسمعان ما تبغيانه و تحاولان تسجيله و ترجمته للعقل . . فلا يسمع . . و كأنها اسطوانات فارغة . . أشاهدني كل يوم معلق علي مدخل القرية..تجهض أحلامي فوق رمال الواقع ..تلقح أفكاري أمام عيني عنوة . . تتألم نفسي ..لم أكن أنا الأسطورة التي يبحث عنها الزمان . . ويفاخرباحتوائها ويتحاكاها الناس . لم أكن الفارس المغوارالذي يقود الجيوش ويحرر الأسري . إنما أنا كائن . .
الضحك يملأ عينيه . . والبكاء يملأ جوفه .
علموني . . في الطفولة أن أكون فارسا صغيرا . . وحينما كبرت واستويت . . أمروني أن أكون أجبن من في الأرض . . فلم أستطع . .
أغسل ملابسي . .أشم رائحة عرقي . . أستنشق فيه عرق الثوار ..استجدي دموعي . . فتأبي . . أغمض عيني وارتمي فى الفراغ المحيط بروحي . . أفرد يدي كطائر مهاجر . . أحتضن الفراغ . . يبتلعني الوقت . . تحتويني الجدران . . أحاول أن أعبر هذه الحدود الكئيبة . . أنفعل في غسل ملابسي . . المواد الكيماوية التي توضع لغسل الملابس . . تدمي يدي . . يزداد صوت بغداد حدة . . أنفعل أنا . . استجدي دموعى. . تستحيل . . أنفعل . . تتساقط بغزارةأحمد الله علي سقوط المطر . . أغسل ملابسي واستحم بدموعي .
أتمني أن . . أكتبني حرفا فوق ستار الكعبة . .أو أبنيني حجرا فوق جدار القدس . . أتمني أن أرسمني شعبا حرا . . الفجر يخرج من ضلوع الليل منسلخاً . . أمام عيني . . يؤذن للصلاة . . أتوضأ . . و أصلي أجلس أترقب الضياء . . أقبل يديها . . و أخرج أسير أحمل كراسات الأولاد . . أتأمل تحت قدمي أتعثر في آثار الانهيارات اليومية
أعبر النهر . . أصل الشاطئ الآخر . . اعتدت في سيري أن لا أنظر ورائي . . كي لا أحس بالتعب، أدخل عالمي . . يدق جرس الإنذار . إيذاناً ببدء حصتي اليومية . . أقف مشدوها . . قاطب الجبين زاما شفتي . . أبحث عن . . لا . . أحد أسمع أحدهم يهمس للآخر . . متي سنزور القدس. . تهتز الأشياء أمام عيني . . لا أحتمل الوقوف . . أجلس علي المقعد الخشبي . . أجد النهار ينسحب كأنه فارس مقهور أتعلق بشعاع الشمس الغارب استسمح ليلي أن يتمهل . . استرجع .
حينما يمضي الوقت وتغيب الشمس . . وتعج القرية بقاطنيها . . والليل يفرض نفسه علي الحياة . . يهيمن علي الأركان المترامية . . ينشر عباءته ، ونحن نترنح في الطرقات . . كأننا سكاري . . نقاوم . . الخوف نقاوم الذل . . حينما نحاول كسر حاجز الصمت . . فنجد الموت.
تقترب منى على استحياء.. تعيد السؤال هامسة فى أذنى بصوتها الرقيق.. متي ؟
أجيبها بانكسارى : حينما تمر سحابة الحزن
الوسوممحمد شلبى أمين
شاهد أيضاً
من يعيد وضع عتبات أبواب بيوتنا ؟!
كمال زاخر الثلاثاء ١٩ نوفمبر ٢٠٢٤ حرص ابى القادم من عمق الصعيد على ان يضع …