الإثنين , ديسمبر 23 2024

الأهرام الكندى تهنئ الكاتب والسيناريست جرجس ثروت على صدور روايته الجديدة “الباش حكيم”

ولد شريف اشرف شرف في أسرة متوسطة الحال من اصل صعيدي بأحد أحياء القاهرة لأب وأم موظفين ربياه تربية حسنة , وأعطوه من وقتهما الكثير ليعيش حياة كريمة كابن وحيد حتى استطاع أن يتفوق في دراسته , وكان يتمتع بذكاء حاد وقوة ذاكرة تمكنه من حفظ الأرقام وتذكرها بسهولة , ودائم الحصول على أعلى الدرجات حتى أحبه زملائه ومعلميه , أتم دراسته الثانوية بتفوق وتخرج في كلية الطب التي تعرف بها على شريكة حياته شريهان , وكانت فتاة جميلة جذابة قوية الشخصية من عائلة محترمة كانت حبه الأول والأخير , تمنى الارتباط بها عندما رآها أول مرة , وهى أيضا أحبت فيه قوة شخصيته وتفوقه وجاذبيته , كانت تتوفر فيه معظم صفات فارس الأحلام , قوى البنية وسيم معتدل القامة رومانسياً كنجوم السينما , له حضور قوى سريع البديهة , ولكنه كان عنيدا لا يحب أن يهزمه شئ وجرئ لا يخاف شيئاً , حتى استطاع أن يتغلب على كل الظروف والتحديات التي تواجه حبيبين في نفس المرحلة من العمر , حيث يكون من الصعب أن يرتبطا لعدم توفر الإمكانيات ونجح رغم صعوبة ذلك , وقبل نهاية العام لزواجهما أنجب منها طفل جميل أسمياه شادي , تخصص شريف في الجراحة العامة وزوجته في النساء والتوليد , وكانت حياتهم هادئة سعيدة , ولكن بدأت الحياة الجميلة يشوبها بعض المشكلات بدأت بعدم تعينه معيداً بالجامعة رغم حصوله على البكالوريوس بتقدير امتياز واخذ مكانه احد أبناء الأساتذة كالعادة , ومع ذلك لم يصبه اليأس الشديد وحصل على الماجستير بامتياز مع مرتبة الشرف , وتعطلت رسالة الدكتوراة التي منحت لمن هم اقل منه علما وتفوقا , وكانت شريهان تشجعه كثيراً حتى لا يستسلم لليأس , خاصة إنه يملك المؤهلات والمهارة التي ستجعل منه جراحا مشهورا يستطيع أن يعوض ما حرم منه بحياة عملية ناجحة .

اشرف والده الذي فرح به كثيراً لم تكمل فرحته أيضا وهاجمه المرض , وأعطت له الحياة الوجه الآخر , وتليف كبده بسبب الفيروس القاتل ولم يكتشف ذلك إلا في مراحله الأخيرة , وقف الابن والجراح الماهر عاجزا ولم يستطع أن يرسله للخارج لزرع كبد , أو حتى بالداخل لنقل فص من متبرع , وتوفى الأب وترك ذلك جرحا غائرا لديه , ولم تمض سنة حتى توقف قلب الأم شريفة عن الخفقان  واستراحت هي الأخرى من تعب الحياة وشقائها وتركوه لقسوتها .

شريف استطاع التغلب على أحزانه وظروفه القاسية بالنجاح ومعه حبيبته ورفيقة مشواره شريهان التي كان يحبها كنفسه , وكان يرى في ابتسامة شادي طفله كل أمل وفرحة , حتى إنه كان يقضى ساعات من ليله يتأمل وجهه الملائكي وابتسامته وهو نائم حتى ينتبه على صوت زوجته , وهى تذكره بالوقت المتأخر من الليل لينام لكي يستطيع الذهاب إلى المستشفى وعيادته نشيطا , لأن يومه كان مليئا بالعمل , وبدأ اسمه يلمع بين مرضاه وزملائه , وعادت الحياة لتبتسم له من جديد , ولكن لم يدم الأمر طويلاً لأنها الدنيا التي يتوهم البعض أنها خالدة وهى زائلة لا تعطى سوى لتأخذ وكما قيل :

أن الإنسان يقضى عمره يكنز المال ثم يأتي وقت يصرفه على استرداد صحته التي ضاعت في جمعه .

وكانت الضربة القاضية لشريف وهو مع أسرته السعيدة في طريق عودتهم من المصيف حيث الطرق السريعة القاتلة التي تلتهم الكثيرين بسبب ضيقها واستهتار سائقي المركبات الثقيلة , كان يقود سيارته وبجواره زوجته تحمل طفلها وتداعبه , ولم يكن الوقت متأخراً بل في الغروب , وكانت أمامه سيارة نقل ثقيل بمقطورة حاول تخطيها بحذر  فأفسح له قائدها الطريق ليمر, ولكن كانت المفاجئة حيث عاد السائق ليتخطى سيارة شريف أكثر من مرة , ولكن هذه المرة متعمدا عندما رأى جمال شريهان كنوع من التسلية والغرور , ولم يستطع شريف التحكم في عجلة القيادة عندما انحرفت المركبة نحو سيارته بقوة فلم يكن أمامه سوى أقصى اليسار لتنقلب السيارة أكثر من مرة , وهو كمن يجد نفسه في كابوس لم يفق منه سوى على صوت البعض من حوله , وهم يخرجونهم منها بعد أن فارق شادي الحياة والأم كانت تنزف في حالة حرجة , وبرغم الكدمات وآلامه المبرحة وكسر في يده اليسرى كان يتمنى الموت عن رؤية طفله جثة هامدة , وزوجته غارقة في دمائها بين الحياة والموت , حمل شادي بين ذراعيه وهو لا يصدق إنه فارق الحياة  وكان يصرخ كالمجنون ليساعدوه في إنقاذ زوجته , وكان يعلم بحكم عمله كجراح أن المستشفيات العامة بإمكانياتها لن تجدي في حالة زوجته الخطرة , فتوجه إلى اقرب مستشفى خاص أخذت تساومه في المصاريف حتى تَقبل زوجته وتنقذها , واستطاع بالجهد أن تدخل غرفة العمليات بعد أن ساعده احد أصدقائه وزملائه جلال , الذي استطاع أن يأخذ منه جثة الطفل بعد مقاومة وهستريا .

شريف جلس على الأرض أمام غرفة العمليات كالمجنون بثيابه الرثة التي تخضبت بدماء طفله وزوجته , لم يكن يفكر في شئ وتوقفت ذاكرته أمام صورة الحادثة , وكانت لحظات قاسية جداً انتهت بما هو أكثر قسوة , عندما خرج الجراح من غرفة العمليات بعد ساعات حزينا فعرف شريف أن زوجته فارقت الحياة , فصرخ بحزن قاتل انتبه على صوته كل رواد المستشفى , واقتحم غرفة العمليات ولم يستطيعوا منعه ليرى حبيبته للمرة الأخيرة وهى ترقد وسط دمائها .

مرت الأيام بلياليها السوداء وساعاتها الثقيلة عليه كالجبال لم يعرف له النوم الهادئ طريقا بل كان يستيقظ على صوت بكاء شادي أو ضحكة شريهان , لم يستطع العمل لعدة شهور , وبعد أن استراح قليلاً قرر أن لا يكون سبب راحة لأحد فيما بعد , وان ينتقم من المجتمع الذي رآه فاسدا فاشلا في جنون واستهتار السائق الذي دمر حياته وجشع إدارة مستشفى لا تريد أن تستقبل الطوارئ فقط بل تساومه في المصاريف وقتما كانت تنزف فيه أغلى دماء .

عندها تحول شريف من جراح إلى جزار من منقذ إلى مهلك من ملاك للرحمة إلى سفير لجهنم , كره العالم ونفسه بعد أن أخذت منه الدنيا أعز الأحباب وفلذة كبده , أصبح قوة كراهية تبتعد كثيرا عن الشرف , وحنث بقسمه الذي حلفه في تخرجه بعد أن هزمته تجربته القاسية , وأصبحت يداه قاتلة بعد أن كانت تشفيان , وقد حاول جلال صديقه أن يقف بجواره حتى يعود لحياته الأولى دون جدوى , حتى ترك المستشفى بعد أن ساءت سمعته وأهمل عيادته , وعمل مع عصابة بلندن لتهريب الآثار والذهب من مصر في جثث الموتى , وكان يساعده في ذلك صلاح الباش تمرجي وحنفي التُربي , ثم تقرر العصابة فيما بعد التخلص منهم جميعا , وتنتهي حياته أبشع من نهاية أسرته .

 

 

شاهد أيضاً

المصريون يعتقدون بأن “الأكل مع الميت” فى المنام يعني قرب الموت .. وعالم يؤكد بأنه خير

يستيقظ جزء كبير من المصريين باحثين عن تفسير ما كانوا يحلمون به بالليل بل ويقضون …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.