بقلم المحامى محمود طاهر
حرية الإعلام من المسلمات والبديهيات ، فحق الإعلام والنشر حق لا يمارى فيه عاقل ، وحرية الإعلام عامة وحرية الصحافة على وجه الخصوص ، ركن ركين من حرية التعبير التى تعد حقا أصيلا لا ينفصم عن الإنسان ، فذلك حق من حقوقه يولد معه ويتمتع به دونما ادنى اعتداء او انتقاص . وهل تستقيم الحياة للإنسان دون ان يشعر بان حريته مكفولة مصونة ذلك لانها مقوم من مقومات وجوده . وحرية الإعلام كما سبق القول لا تنفصم عن حرية التعبير بل ترتبط أيضا بحق الجمهور فى المعرفة والنشر ، ومن ثم لا يجوز بحال من الأحوال ان يصادر فكر او ان يقهررأى .
ولقد تسابقت كافة القوانين الدولية والمحلية على التأكيد على هذا الحق باعتباره دليلا على رقى المجتمع وديمقراطية نظامه .
لكن تبقى الحقيقة انه ليست العبرة بما يقره القانون ولا بالنصوص ووفرتها ولكن العبرة بالقائمين على تطبيق القانون ومدى رغبتهم فى احترام ذلك الحق وتلك الحرية .
ولأن ذلك الحق ليس محل خلاف ولا منازعة لذلك لا يحتاج منى الى أن استعرض أهمية كفالة هذا الحق وضمان عدم التعدى عليه . أما يهمنى فى هذا المقام المسئولية التى تقابل الحرية وتضبطها على نحو يحقق الغاية التى من اجلها مُنح الحق لذويه ، فيجب ان يكون مستقرا فى الأذهان أن حرية الإعلام هى حرية مسئولة يحكمها ميثاق شرف يجعل من الإعلام والصحافة صاحبة رسالة وينأى بالإعلام والصحافة على ان يكونا مجرد صناعة أو تجارة فالرسالات الرفيعة والتى منها الإعلام لا ترضى أن تكون يوما سوقا للتجارة والمال . فالمال والحرص على جمعه هو من أفسد الصحافة والإعلام .
فلقد تحولت كثير من دور الإعلام ودور النشر وحادت عن هدفها ورسالتها فأصبحت لا تهدف الإ إلى ما يعود عليها من ربح من الإعلان والدعاية والتوزيع. ومن ثم لا يصدق على العاملين بها وصف صحفيون او اعلاميون بل هم فى حقيقة الامر أجراء مسخرون فى هذه المؤسسات التى يمتلكها أصحاب المال والأعمال .
والناظر الى هذا الزخم الإعلامى الحالى يجد أن الحابل أختلط بالنابل بل إنك لا تستطيع ان تميز بين الناصح والغاش . لتقول بملء الفم ” دنيا الإعلام تقلب الحقائق وتظهر العلقم حلوا رائق .
فإذا الحق باطل والأباطيل حقوق والإفك أقوم قيلا “”
فبعض ممن أقحم نفسه فى بلاط صاحبة الجلالة أصدق ما يقال له
” يا من حملت الفأس تهدمها على أنقاضها
أقعد فما انت الذى يسعى إلى انهاضها .
كم قلت أمراض البلاد وأنت من امراضها “”
فهل يعقل أن تمنح الحرية لأمثال هؤلاء الذين يتقلبون بين المبادئ ويقولون اليوم ما يناقض قولهم بالأمس ، وفى الغد سيقولون شيئا جديدا ، كيف تعطى الحرية لمن لا يبالون من الخوض فى اعراض الناس والأسر ولا تنشر صحفهم أو تسمع فى قنواتهم إلا سخافات وحماقات لا تلبى الإ حاجة الإنسان فى التطفل والنميمة .فجل ما فيها اكاذيب وأراجيف.
فإن الإعلام بشكل عام والصحافة بشكل خاص يجب ألا تنشر غير ما هو جدير بالنشر يعود بفائدة مرجوة على المجتمع ؛ لا يأبه الا بما يحقق الصالح العام وحده ، فما يحقق الصالح العام هو فقط الجدير بالنشر وليس فقط ما يهم الجمهور أو يهم الجريدة او القناة . ويجب ان يكون الإعلامى ذا ضمير حى يقظ يصاحبه حين يكتب وينشر وحين يتكلم ، فبغير الأخلاق الفاضلة لا يستطيع الإعلاميون يوما ان يكونوا احرارا ، أذ كيف يتسنى منح تلك الحرية لأقلام وأفواه يمتلكها من يستطيع ان يدفع أكثر.
ولست بصد عقد محاكمة للإعلام ولكن هى محاكاة للواقع ورغبة فيما هو أفضل . ذلك لأننا بقدر ايماننا بحرية الإعلام نؤمن بالقدر ذاته بحق الإنسان فى حرمة خصوصياته وحياته الخاصة . كما نؤمن بضرورة أن يكون الإعلام ونشر الخبر فى إطار المصلحة العامة للمجتمع ، وأن يترك الإعلام تلك الإخبار المجهلة ، ويترك التهوين والتهويل .
أما آن لإعلامينا أن يجعلوا كلامهم الذى يتردد على السنتهم طريقا للخير المنشود ، محترما قيم المجتمع وتقاليده وأعرافه. فما نراه الآن لا يستطيع عاقل أن يحكم عليه إلا بأنه ثرثرة يصحبها ضجيج . كضجيج البراميل الفارغة
الوسوممحمود طاهر