رؤية وقراءة في الفكر الإسلامي بعد عصر المذاهب _
ــــــ كتبــــها المحامى مــحـمــودطاهــر
بداية فإننا نسلم كامل التسليم بأن الإسلام دين الله الذي ارتضاه لعباده وأنه سبحانه عز وجل أعلم بما يصلحهم ، ومن ثم فنحن على يقين كامل بأن الإسلام عقيدة وشريعة صالح لكل زمان ومكان لا جدال في هذا ولا مراء ، فلن نقف عند هذه المسلمة التي لا يجحدها إلا مكابر معاند عجز عقله عن الاستقامة والهدى .
وما نعرض له أنما هو حركة المسلمين ودورهم في إنزال أحكام الإسلام على واقعهم وحياتهم ، وما هي المعوقات التي واجهت الشريعة باعتبارها المصدر الوحيد للتشريع عند المسلمين على مدار تاريخهم ، وقبل زحف الاستعمار عليهم .
والقارئ الباحث يتضح له أن شريعة الإسلام على جودتها وصلاحيتها لتكون مصدراً زاخراً للفقه والتشريع ولصياغة ما يستحسن من نظريات قانونية وسياسية ، قد ابتليت وبعد القرون الثلاثة الأول بأمرين كانا بمثابة عائق حال دون أن تؤتى ثمارها المرجوة في المجتمع على الوجه الصحيح .
وهذان الأمران هما :-
1- الانحراف السياسي لبعض الأمراء والملوك والظلم الذي أوقعوه بالعباد نتيجة فسوقهم وخروجهم عن مقتضيات السياسة الشرعية في الحكم والسياسة .
2- الجمود الفقهي الذي أصاب أهل الفكر المنتسبين للإسلام ، وإغلاق باب الاجتهاد ووقوفهم عند التقليد بل الدعوة إلى التزام مذهب واحد لا يتعداه القاضي أو المفتى أو الفقيه .
ولا ريب في أن أشد ما يهدم بنيان أي نظام قانوني أو اجتماعي أن يبتلى بسوء تطبيق من جانب القائمين عليه،أو يبتلى بسوء فهم ومروق عن مقاصده ومراميه .
وتبقى الحقيقة أنه لا عيب ولا خطأ في النظام القانوني نفسه بل في أفراد تلقوا هذا النظام فأساءوا له بفهم مغلوط أدى إلى سوء التطبيق ، أو بتعطيل تطبيقه بفسوق ومروق . ونحن هنا نحاول وضع رؤية لمعالجة سوء الفهم وسوء التطبيق ليكون محل النقاش حول جمود الفكر ومروقه وأثره فى النظام القانوني للمسلمين .
جمود الفكر خطر أدى إلى بعد الشقة بين واقع الحياة ومجرياتها وبين الحركة الفقهية التي كان مفترضاً لها أن تلبى حاجة الناس لمعرفة كيف يعالج الإسلام ما استجد لهم من واقعات ، وكان من أهم أسباب ذلك الجمود الفكري إغلاق باب الاجتهاد والتعصب لمذاهب الأئمة ، ونسيان المعين الأصلي الذي استقى منه الأئمة الأعلام ، وكل ذلك أدى إلى ردة فكرية وقفت بالمسلمين عند زمن غير زمانهم ، فأفاق المجتمع على صدمة حضارية بعد زحف الاستعمار على بلادنا ، فوجدنا أنفسنا أمام واقع مرير ، إذ نحيا نحن سكان العالم العربي و الإسلامي في مستوى عيش أدنى بكثير مما تتطلبه الحياة الإنسانية ، وأن هناك فجوة شاسعة فيما بيننا وبين ذلك المستعمر الغربي .
• فعزى الكثير من أهل الفكر وأرجع ما نحن عليه إلى النظام القانوني الإسلامي ونسبوا تخلفنا إلى الإسلام ، بعد اقتناعهم بالغرب وحضارته ،فجاءت دعوات الإصلاح منهم مغلفة بالثقافة الغربية الوافدة ، ولم ينتبهوا إلى أن العيب لا يرجع لحقيقة النظام القانوني والشريعة الإسلامية وإنما مرده جمود الفكر البشرى المتلقي لتعاليم الإسلام .
• في المقابل كان أكثر فقهاء الشريعة وعلمائها وهى فئة تؤمن بأن الإسلام هو الحل لكن كان إيمانها إيماناً غيبياً ، فهي لا تعرف كيفية الحل وآليته ، إذ كانوا بعيدين عن تفهم مشكلات المجتمع الحديث ، بعدما مضت فيهم سنة التقليد واغلق باب الاجتهاد ، وكل استطاعوا أن يقدموه هو قولهم إن الرجوع للإسلام هو الذي ينقذنا من مشكلاتنا … لكن كيف ؟ وإلى أي مدى ؟ وما هو رأى الإسلام فيما استجد من مشكلات لم يعرفها السابقون في عصر الراشدين ومن بعدهم ؟ لا جواب عندهم إذ تخندقوا وأغلقوا على أنفسهم الفهم ووقفوا عند حد التقليد والتعصب للمذهب .
وهذه الفئة وإن حسنت نيتها إلا أنها أضرت بالإسلام كثيرا فقد تكلمت باسمه في المجتمع أمداً طويلاً، وأظهروه بمظهر العاجز عن حل مشكلات المسلمين ، وإقالة عثرتهم ، والتخلص من تخلفهم الذي عاشوا فيه .
والفئتان كلاهما كانا على خطأ كبير وقد نشبت بينما معارك فكرية ، وكلاهما يحاول جذب الناس إليه وسلاح الطائفة الأولى فى مواجهة الطائفة الثانية هو الاتهام بالتخلف والرجعية ، وسلاح الطائفة الثانية فى مواجهة الفئة الأولى هو الاتهام بالكفر والإلحاد وكلاهما ضر وما نفع .
وعليه يتضح أن الإسلام لم يكن أبداً المشكلة بل هو في الحقيقة الحل الناجز لكل مشكلاتنا الاجتماعية ، بل كانت المشكلة في العقل المتلقي الذي تجمد عند نصوص واجتهادات السابقين فتعصب لها وتحجر عندها ، وذلك الذي شطح به فكره ففتن بحضارة الغرب وتنصل من تراثه وراح يهيل التراب على كل ما هو قديم ، لنخلص القول إلى أن جميع أمراض أمتنا مردها عقل تجمد
الوسوممحمود طاهر