الثلاثاء , نوفمبر 19 2024
مدحت موريس
مدحت موريس

جفنها

مدحت موريس

تسللت خيوط الشمس الذهبية عبر نافذة الغرفة وتخطت ستائرها الرقيقة لتنشر نوراً دافئاً فى الغرفة الصغيرة، داعبت وجهها…وجه العروس النائمة فى فراشها والتى بدورها استقبلت دعابة الشمس بابتسامة أكثر دفئاً تحمل فى ثناياها كل التمنى وكل التفاؤل باليوم الجديد. نهضت من فراشها فى هدوء ورشاقة الفراشة التى تسعد بالشمس والدفء وكأنها تبحث عن زهرة تتنشق رحيقها.

أزاحت الستائر وفتحت النافذة وملأت رئتيها بنسيم الفجر النقى قبل أن تتجه لتغسل وجهها بمزيج من الماء وصابون هو أقرب الى العطر. جالت بكفيها فى انحاء وجهها فى وصلة تدليك خفيفة لمقاطع الوجه التى مازالت تحت تأثير النوم، توقفت اليدان عن الحركة وكأنها اكتشفت شيئاً جديداً وغريباً فى وجهها….عاودت حركة كفيها فى بطء وحذر…توقفت عند عينها اليسرى…أمسكت جفنها الأيسر بأنامل مرتعشة ثم سارعت باغراق وجهها بالماء ورفعته ونظرت فى المرآة..

فأفلتت منها شهقة فزع وهى ترى جفن عينها اليسرى وقد سقط مترهلاً على وجهها! خرجت من الحمام مسرعة وهى تصرخ منادية أمها التى لحقت بها فى غرفة نومها، وأمام المرآة وقفت الفتاة تفحص عينها المكسورة وجفنها الذى تهدل وهى لا تستطيع ايقاف سيل دموعها والأم بجوارها لا حول لها ولا قوة لا تملك سوى مشاركتها الدموع بدموع أخرى ترثى حال ابنتها العروس قبل أسبوع واحد من زفافها. نظارة شمسية تحجب عينيها عن أعين الفضوليين، وطبيب متخصص هو الأشهر فى المدينة…

كان هذا هو الحل الأسرع والأنسب فى رأى العروس المسكينة والأم المنفطرة القلب. سلمت العروس رأسها للطبيب فى يأس يتوسل الأمل، أما الطبيب فسلط ضوءاً نافذاً على العين المكسورة فاحصاً اياها بدقة متناهية تتناسب مع قيمة الكشف المرتفعة والتى تكبدتها العروس المسكينة. انتهى الفحص وارتفعت دقات قلبى العروس الجريحة والأم الحزينة التى بادرت الطبيب بقولها أن موعد زفاف الفتاة بعد أسبوع، قالت هذا وكأنها ترجوه بأن يقرر بأن عين الفتاة ستعود كما كانت قبل موعد الزفاف!!!!

أما الطبيب فقد جلس على مكتبه وانهمك فى دق أزرار “اللابتوب” يعد تقريراً عن الحالة…هكذا همست الفتاة للأم المتسائلة..التى لفتها الحيرة..”وماذا سنفعل بالتقرير…هل سنقدمه للعريس؟” غادرا العيادة والأمل فى الشفاء أصبح حلماً أكثر بُعداً…كان حلمهما فى الدواء السحرى الذى سيقرره فيتحقق الشفاء…لكن كلماته جاءت مُحبطة، فلا دواء وانما تدريبات وتدليك من أجل تقوية عضلة العين الى أن تعود لحالتها الأولى أو أن تتحسن قليلاً…وهكذا ترك الطبيب باب الأمل موارباً. تمسكت الفتاة بأمل الشفاء وهى تترقب عينها كل يوم بل وكل ساعة، تنازعتها مشاعر متناقضة انعكست على ترقبها للعين المنكسرة، تتفاءل …ترى العين فى تحسن، تتشاءم…تكتشف أن حالة عينها تسوء،

أما الواقع فقد ظلت العين على حالها لا تقدم ولا تأخر!! والموعد يقترب….موعد الزفاف يقترب، ثم يرن جرس الهاتف…العريس على الطرف الآخر يؤكد على قدومه فى الغد….فغداً موعد الزفاف. فلنؤجل الزفاف قالتها باكية واحتضنتها الأم..وهى تؤكد لها أن مساحيق تجميل الوجه كفيلة باخفاء كل شىء، بينما الفتاة ترتعد من مجرد التفكير فى رد فعل العريس عندما يراها بعينها المكسورة.

أقبل يوم الزفاف والحزن يعتصر قلب العروس…امتدت أيدى الأم والفتيات بمساحيق التجميل تزين وجه العروس …ساعات وساعات لم تفلح الأيادى المخلصة فى اخفاء حقيقة العين التى انكسرت، وظلت العروس جالسة فى غرفتها بين صديقاتها تنتظر قدوم العريس تلك اللحظة التى تمنتها من قبل فى سعادة صارت الآن لحظة قلق ورعب وتملكتها مشاهد زادت من مخاوفها كأن يشيح العريس بنظراته بعيداً عنها أو أن يذهب ولا يعود اليها…

وسمعت ضجة بالخارج…لقد أتى العريس فى موكبه…العريس فى انتظارها بالخارج…دخلت أمها تدعوها للخروج للقاء عريسها…نهضت مترددة..تحاملت على ساقيها المرتعشتين بقدر استطاعتها والفتيات من حولها يزفونها…خرجت من الحجرة وقد نكست رأسها وهى لا تدرى أهو خجل العروس؟ أم لمداراة عينها المكسورة؟…اقترب العريس منها وبيده رفع رأسها…طبع قبلة حانية على جبينها…ثم التقت عيناه بعينيها فدق قلبها بعنف ثم شعرت بشفتيه تتلامس مع عينها المكسورة…شعرت بدفء يسرى فى كل جسدها تصورت أن عينها قد برأت مما أصابها…تحسست العين بأصابعها فوجدتها كما هى…لم تبرأ كما اعتقدت لكنها شعرت بأن روحها قد برأت من كل ما أصابها من آلام فى الأيام الأخيرة …وانطلقت – بعينها المكسورة وجفنها المترهل- مع عريسها الى بيته الذى صار أيضاً بيتاً لها.

بقلم مدحت موريس
(voicy2005@yahoo.com)

شاهد أيضاً

رحمة سعيد

كيف نحمي البيئة من التلوث؟

بقلم رحمة  سعيد متابعة دكتور علاء ثابت مسلم  إن البيئة هي عنصر أساسي من عناصر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.