سيناء دباغ تكتب : طريقان إلى كندا: الكفالة الخاصة و كفالة الحكومة
23 ديسمبر، 2015 كندا, مدن كندا, مقالات واراء
في مطار بيرسون الدولي – تورنتو, تتكرر ذات المشاهد في استقبال المسؤوليين الكنديين للاجئين السوريين الذين نجوا من أرض الموت و مخيمات الأشقاء العرب التي عاشوا فيها “كاليتيم على مائدة اللئيم”, فيكونوا من الأكثر حظاً في الوصول إلى ملاذٍ آمنٍ في كندا.
و في حين تعهدت الحكومة باستقدام 25 ألف لاجئ في نهاية فبراير 2016 , فقد ارتفع العدد ليبلغ 50 ألف في نهاية العام نفسه.
وستبقى الصور التي تلتقطها وسائل الإعلام في الذاكرة الوطنية الكنديّة, لكنها في الوقت الحاضر تساعد في نزع فتيل (الفوبيا) من اللاجئين و المهاجرين التي قسّتْ قلوب الكثيريين فأصبحوا يشيحون بوجوههم بلا إكتراث عن قوافل المهاجرين الذين يقطعون البر و البحر بحثاً عن السلم و الحياة.
ويمثّل الغرب عموماً وكندا خصوصاً حلماً بالبدايات الجديدة و أملاً بمستقبل مشرق بعيداً عن نزاعات الشرق الأوسط التي “ملأت الدنيا و شغلت الناس” لعقود من الزمن.
وعلى الرغم من الصورة المشرقة للغرب, إلّا أنّه كغيره من العوالم لا يخلو من التحديات التي تزداد صعوبتها بازدياد عدد الأطفال الذين يحملهم معه اللاجئ إلى الموطن الجديد.
كما أن هذه التحديات تتفاوت في قساوتها- تحديداً في كندا- بين اللاجئين الوافدين عبر طريقين مختلفين: “الكفالة الخاصة” أو “كفالة الحكومة”.
فاللجوء عبر الكفالة الخاصة يذلّل الكثير من العقبات أمام اللاجئ, و يكون عبر أحد الأقارب أو الجمعيات الكندية الأهلية التي تتبناه و عائلته من لحظة وصولهم الأرض, لتقدم لهم المسكن المفروش و الملابس و الطعام و المواصلات والمال وخدمات الترجمة ومجتمع حاضن و دافء يخفف عليهم معاناة الاغتراب و هموم البحث عن سبل التأقلم في المجتمع بثقافته الجديدة. و تقوم الجهة الراعية (الخاصة) بتكثيف جهودها لتقديم خدمات مدروسة و مفصلّة حسب حاجة العائلة التي تتبناها مع و جوب توفير مبلغ مالي يتعدى 25 ألف دولار كنديّ لعائلة من 4 أفراد لعام كامل.
فالكفالة الخاصة تقدم وطناً جديداً مع عائلة حنونة و ضمانات مالية لتكون بمجموعها سنداً قوياً للاجئين الذين يحتاجون لاستراحة ولو قصيرة بعد رحلة طويلة من المعاناة, فهي لا تقدم لهم حجر الأساس لحياتهم الجديدة فحسب, بل تَجْهَدُ في مساعدتهم لبناء تلك الحياة.
و على الرغم من أن كفالة “الحكومة” لا تقل بأهميتها عن نظيرتها الخاصة, و هي بدورها تمد يد العون لكثيرٍ من اللاجئين السوريين الذين طحنتهم و همّشتهم مخيمات المشرق السيئة الصيت, إلّا أنّ الوصفة الحكوميّة غير سائغة كنظيرتها الخاصة, حيث ينتقل فيها اللاجئ من المطار إلى مخيمات جديدة (تفضّل الحكومة أن تطلق عليها اسم مساكن مؤقتة) جهزتها الحكومة في قواعد عسكرية أو مشافٍ فارغة.
وقد تكتظ هذه التجمعات بقاطنيها ليعود كابوس العيش الجماعي يؤرق قاطنيها, و يعود اللاجئ لدوامة انتظار الدور لتلقي الخدمات التي يحتاجها مما يؤخر عملية اندماجه في المجتمع الجديد بسبب اصدامه بحواجز قد أُزيلت سلفاً للاجئي الكفالة الخاصة, مما قد يشكل و طأة شديدة على الوافدين الجدد في بلد جديد قد يجهلون حتى لغته. و تبقى الكفالة الخاصة أسهل بكل المعايير فهي مفتوحة لكلّ لاجئ سوريّ (أو عراقيّ في بعض الأحيان) في حال توفر المال الكافي لدى ذويه أو لدى جمعيته الراعية, في حين تبقى كفالة الدولة “قرعة” ينالها الأوفر حظاً في المخيمات.
وتبقى الأمنية أن تكون كندا (سواء عبر كفالة الحكومة أو الكفالة الخاصة) المحطة الأخيرة لبشر رحلوا مرغمين من وطنٍ بحثوا فيه عن كرامة , إلى خيمةٍ بلا عنوان في منفى لا يريدهم , إلى طوابير طويلة أمام مكاتب الأمم التحدة أملاً في لحظة تعاطف إنساني, إلى قوافل بشرية تسير في المجهول بعد أن ملّتْ الانتظار و فقدتْ ثقتها بالمجتمع الدولي, إلى قوارب الموت التي تشقّ البحر الغدّار بحثاً عن سراب اليابسة و شاطئ الأمان, و يبقى لسان حال اللاجئين الجدد يقول: ” حضن كندا ببردها و ثلوجها أدفء من قيظ الشرق الأوسط”!