الجمعة , نوفمبر 22 2024
منير بشاى

رسالة السلام فى عالم مضطرب

يحل علينا عيد الميلاد هذا العام بينما اجواء الارهاب تخيّم على مناطق كثيرة من العالم. فرقعة المدافع تغطى على رنين أجراس الكنائس، وانغام جنجل بلز تختلط مع ولولة صفارات الانذار، واضواء الميلاد تمتزج مع حرائق الدمار.

ومع سانتا كلوز ذو اللحية البيضاء الذى (طبقا للاساطير) جاء من القطب الشمالى هابطا من المدخنة ومحملا بالهدايا، زار عالمنا رجال ملتحون معهما هدايا من القنابل والمتفجرات.

ومن العجيب انه منذ عشرون قرنا كان العالم ايضا يطغى عليه نفس المشهد. ففى الوقت الذى اعلن الله فيه مجىء المخلص اذ ظهر بغتة من السماء جمهور من الجند السماوى مسبحين الله وقائلين “المجد لله فى الأعالى وعلى الارض السلام وبالناس المسرة”.(لوقا 2: 14)، فى نفس ذلك الوقت ظهر ابليس ليوعز لاتباعه بقتل اطفال بيت لحم. فقد قرأنا عن ما فعله هيرودس الذى كان يخشى على ملكه من طفل صغير فأرسل وقتل جميع الصبيان الذين فى بيت لحم وتخومها من ابن سنتين فما دون.

اراد الرجل الشرير ان يحول فرحة الميلاد الى مأتم حسب ما قيل بارمياء النبى “صوت سمع فى الرامة نوح وبكاء وعويل كثير راحيل تبكى على اولادها ولا تريد ان تتعزى لأنهم ليسوا بموجودين” متى 2: 16- 18.

مع احتفالات الميلاد لا يسع المرء الا ان يتساءل: هل تحقق السلام المنشود فى هذه الارض والذى بشرت به الملائكة فى اول احتفالية بالميلاد فى تاريخ البشرية؟

المتأمل فى العالم اليوم لا يجد السلام. فالعالم يمر بمخاوف وقلق لم يعرفه بهذا المقدار من قبل. فبالرغم من التقدم الحضارى والعلمى الذى صاحبه ارتفاع كبير فى مستوى المعيشة، الا ان العالم لم يحقق السعادة والطمأنينة التى ينشدها.

ولكن هل وعد الله بمجىء المسيا بسلام مطلق لجميع الناس وفى كل الظروف؟

نحن نقرأ من كلام السيد المسيح ان ارساليته التى اعطت حياة وخلاصا وفرحا لمن قبلها، قد اعطت عكس هذا لمن رفضها. قال الرب يسوع “جئت لالقى نارا على الارض فماذا اريد لو اضطرمت….اتظنون انى جئت لاعطى سلاما..كلا بل انقساما…” لوقا 12: 49- 53. فرسالة السيد المسيح التى سببت سلاما للقلوب المطيعة هى نفسها التى سببت انقساما للقلوب العاصية.

من علامات الساعة فى الايام الاخيرة كثرة الكلام عن السلام المزيف الذى يبحث عنه الانسان ويعتقد انه فى متناول يده، ثم يكتشف فى النهاية انه كان سرابا “لأنه حينما يقولون سلام وامان حينئذ يفاجئهم هلاك بغتة كالمخاض للحبلى فلا ينجون” اتس 5: 3
5:3
فأين السلام الذى بشرت به الملائكة؟

السلام الذى بشرت به الملائكة هو سلام روحى وليس مادي

هو السلام الناتج عن غفران الخطايا وخلاص المسيح الابدى. يقول الرسول بولس “فاذ قد تبررنا بالايمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح” رومية 5: 1. ليس هذا السلام الذى يبنى على الممتلكات المادية لان هذه قابلة للفناء بل هو السلام الذى يبنى على ميراثنا فى ملكوت السموات. “افرحوا وتهللوا لأن اسماءكم كتبت فى السوات” لوقا 10: 20
20
السلام الذى بشرت به الملائكة هو سلام ثابت وليس متغير

هو سلام يبنى على الثوابت وليس على المتغيرات. العالم يدور باستمرار. احيانا تبتسم لك الحياة واحيانا تكشر لك وتشهر عن انيابها. من يؤسس سلامه على هذه الحياة فانه يضع سلامه على الرمال، فمن الممكن ان يسقط السلام امام عواصف الحياة. اما من يبنى سلامه على صخر الدهور فانه سيصمد امام زوابع الحياة واعاصير الزمن.

السلام الذى بشرت به الملائكة هو سلام داخلى وليس خارجي

هذا السلام لا يحتاج الى الظروف الخارجية ليؤكده فهو سلام ينبع من الداخل ويشع الى الخارج. هو سلام يظهر حتى فى اكثر الاوقات ظلاما لانه لا يعتمد على ما يعطيه العالم بل على الرجاء الناتج عن وجود المسيح فى القلب “المسيح فيكم رجاء المجد” كولوسى 1: 27

السلام الالهى الحقيقى هو واحد من ثمر الروح القدس: “واما ثمر الروح فهو محبة فرح فرح سلام طول اناة لطف صلاح ايمان وداعة تعفف” غلاطية 5: 22 و 23. وهو ينمو ويزداد قوة كلما اعطينا المكان للروح القدس ان يسيطر على حياتنا.

ويسوع الذى بشرت الملائكة بالسلام يوم مولده ترك لنا ارثا ثمينا قبل ان يترك هذا العالم اذ قال “سلاما اترك لكم سلامى اعطيكم. ليس كما يعطى العالم اعطيكم انا. لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب” يوحنا 14: 27

هل من سلام لنا وسط عالم مضطرب؟ نعم بكل تأكيد، لأن اساسه هو “رئيس السلام” الرب يسوع المسيح نفسه. ذلك هو السلام الحقيقى، سلام القلب وسلام الفكر. وهو سلام راسخ لا يهتز حتى وان اهتزت الجبال، وحتى ان سقطت الابراج. ولكن مادام عمانوئيل “الله معنا” يسير معنا فهو الضامن لرحلة حياتنا.

عيد ميلاد سعيد لكل المسيحيين بكل طوائفهم. ولاخوتنا المسلمين كل عام وانتم بخير بمناسبة المولد النبوى.

شاهد أيضاً

جورج البهجوري بنكهة وطن !!

بقلم عبدالواحد محمد روائي عربي فنان تشكيلي كبير عاصر كل نجوم الثقافة العربية محيطا وخليجا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.