بقلـم / هــاني شــهدي
وحين ترهــق نفوسنا اوقات الضيق والأزمات، وتلسع عظامنا وأرواحنا كليـــّلةً شتويةً ثقيلة الخُـطي ، حينها تسكت الاغاني وتفقد انفاسك الامل في شمس صباح مشرق. وبعد ان نعــبر هذا الــزمن الصــعب المـريض وتتـنفس ارواحنا نسمات الحياة من جديد نكتشف في انفُسنا وفي المـرض وفي الظـروف مميزات لم نكن نراها في عتـمة الليل الذي أفقدنا اتزاننا.
هنا تفــتخر بأشخاص سهروا معك الليل كله ولم يتركوك، الحقـيقيون في حياتك هم من يتحملون مـعك برد لـيل التجربة ، فالجميع في النـهار تدفئه الشمس المشرقـة ، هؤلاء يمتلكون موهبة العطاء من روح الاله ، هم ودعـاء مـريحين للـروح مشجّعين للنفس المنكسرة ، هنا تكتشف الحقيقي من النصف حقيقي من المزيف ، هؤلاء يكتبون اسمائهم في ذاكرة الروح بقلم من ذهب. هنا تفاجأ بصدق النوايا ونقاء النفوس.غربال التجربة حتماً سيسقط المزيفين في حياتك.
هنا تكـتشف طبيب ماهـر يهتم لامرك، هو مدرّب كيف ينتقل بك في سلام وبالتدريج من ظلام التجربة الي نور الشمس دون ان تفقد بصرك وبصيرتك ، طبيب تفــرش روحك الممـزّقة علي مكتبه فيعـيد ترتيب ابتسامتك المنسـية في مرآة الحياة من جديد، يعرف عنك وعن مرضك اكثر مما تعرف عن نفسك، بــراعة الطبيب تحـمل للمريض نصـف الشـفاء، لا تخجل بان تخلع امامه سنـوات عمـرك النظـيفة والمتســخة ، هو لا ينظر الي ملابسك ولـن يحرجك بل انت هو مَن يُهمه ، وحين تتعــري تماماً امامه هنا يتمكن من وضع كفه الحانية علي جسدك بهدوء ويعالــجك. من يحيي نفسك يستحق ان يكون له في حــياتك حـــياة.
هنا تكتشف ان شفاءك لم يكن بمحض التجربة لكن بعد ان اجريت بنفسك اشعة علي نفسك لتكتشف ازمتك ومحل ضيقك، واستعملت ادوية وفيتامينات الشجاعة والاصرار علي ان تكون مشفياً بلا عيب، استعملتها برغم مرارة مذاقها، حتماً ستجلس بهدوء للتتذكر ممن استنشقت فيروس المرض،لا تحـتقره ولا تـزدريه لانه مريض مثلك ويحتاج الي علاج، ولا تحتقر المرض ولا تلعن زمــانه الصـعب لانك ستكتشف انه هو المايسترو الذي قاد كل هؤلاء العازفين – واولهم انت – واجلس كلاً منهم في مكانه حسب امكانياته كي يعزف كل واحد دوره ببراعة. فلولا المرض ما كان الشفاء . وجــع النفوس له هيبــة لا يعلمها إلا الموجــوع.
حين تهتز بك مركب التجربة، مركب غربة أسقطت أمامك جمال أيامك التي تركتها هناك حيث الوطن الأخضر ، اسقطت أمامك أشخاص لا زالت عيونك تشاهد أيديهم المودعة بالرحيل ، اسقطت أمامك الحبيب الذي تحمل أنفاسه الحياة إليك ، اسقطت أمامك نفسك التي لم تقابلها منذ زمن بعيد.وخلعت منك جناح النسر العالي. لم تكن مركبك أياً كانت ولم يكن بحرك ولم تكن رحلــتك ، حين تهتز بك المركب ، ويبدأ ماء الضيق في العبور اليها فيثقلها ويثقل نفسك المنزعجة لدرجة صعب تحملها، تجد نفسك مضطرا للقفز بسرعة من المركب، تلتقط اقرب طوق نجاة وتاخذ قرار السباحة في بحر تجربة جديدة باردة مجهولة لكن تحمل في اخرها النجاة .وحين تصل بسلام لشط الامان وتستحم بماء عزب ينفض عن جسدك ملوحة الحياة،وتسقط من ذاكرتك ماء البحر المالح الذي حرق جلدك ومشاعرك، وبينما تستنشق هواء شواطئ الراحة وتنظر البحر امامك وتنظر المركب غارقة تدرك انك اخذت قرار القفز والنجاة في الوقت الصح،لا تسخط علي المركب لأنها صنعت منك سباح ماهر، أحترم ارادتك التي اصرت علي الوصول رغم المفاجأة وعلو الامواج وقطعت كل هذه المسافة، تزيد ثقتك في نفسك وعضلاتك التي لم تخور، ولا تنسي ان تنظر بجوارك لتعطي تحية لطوق النجاة والف تحية لأله الســلامة الذي أحــاطك بطــوق النـجاة وقـدّر لك الســلامة.
الوسومهانى شهدى
شاهد أيضاً
خالد المزلقاني يكتب : أوكرانيا وضرب العمق الروسي ..!
مبدئيا أوكرانيا لا يمكنها ضرب العمق الروسي بدون مشاركة أوروبية من حلف الناتو وإذا استمر …