سيناء دباغ تكتب :- زيّني أشجار الصنوبر يا عشتار!
وقفت الإسطورة على ضفاف الزمان و فردتْ شعرها الأسود الطويل على كتفيها, نظرتْ هنيهةً ترقب بلاد الشرق التي امتلأت جمالاً لآلاف السنين, كففت الإسطوة دموعها, فتحت فمها و خاطبت أبناء الشرق قائلةً: كان يا ما كان في عصري أنا زمن الأساطير الجميل و مرتع الأبطال…و قفتْ عشتار هنا على هذي الضفاف المباركة تنتحب موت حبيبها تموز : ” دموزي أيّها الراعي البهي الطلعة الوسيم… يا من رحلت في قيظ الصيف إلى العالم السفلي قرباناً لي…يا من تبكيك قطعان المراعي و ينتحب عليك عشب المروج, من أجلك يا دموزي ستلطم الألهة خدودها حزنأً, و تتنهار دموعها كدجلة و الفرات انسكاباً.”
لم تنسَ عشتار تموز الذي رحل شاباً في ريعان العمر و لاتزال شجرة حياته مخضوررة الأوراق, فذهبت إلى الأحراج المجاورة و قطعت بفأسها شجرة صنوبر خضراء كشبابه, و زيّنتها بنجوم السماء و كواكبها كي لا تنساه المراعي. ثم انطلقت لتجلس على كرسيها في مجمع الألهة “الأنوناكي” إلى جانب أبيها. فلطالما كانت ابنة “آنو المدللة”
عشتار: حزنت يا أبي و فاض قلبي ألماً على رحيل حبيبي.
الأنانوكي: ألم تختاريه قرباناً لكِ يا عشتار يجلس مكانك في عالم اللاعودة.
عشتار: آنو , يا أبي إنْ لم يعد تموز , لنزلتُ العالم السفلي و فتحت رتاجه, و مكثت فيه. عندها سيموت الزرع و يتوقف النسل و لن يقرب رجلاً زوجته أبداً. من سيقدم القرابين للألهة, من سيشعل لكم البخور إن فنى البشر.
تشاور الأنانوكي في الأعالي فخافوا رحيل ربة الخصب و الجمال إلى عالم الموت, عندها ستتوقف دورة الأرض و تجف المحاصيل و تتوقف الولادات. و بعد مشاورات دامت طوال الشتاء عاد آنو لابنته في الربيع و أبلغها قرارهم الجماعي بعودة تموزللحياة. ابتهجت عشتار, و عندما فتحت بوابة السماء لتنزل الأرض و تلتقي حبيبها, نظرت إلى مشرق الأرض فرأت بلادها تُشعلها الحروب, شاهدث الكثير من الشبان مثل تموز يرحلون في ربيع الحياة إلى أرض اليباب و اللاعودة.
بكتْ عشتار أحبتها طويلاً ففاض الفرات حزناً و هدر دجلة مستنجداً, ثم لفّ آنو ابنته بذراعه القوي و كفّف دموعها بيديه قائلاً: “عشتار, أيها المنيرة المضيئة, يا نجمة الصباح والمساء, كم من أشجار الصنوبر ستزينين بعد الأن؟”
التفت الأسطورة إلى الأفق البعيد و أشارتْ للأفق البعيد متنهدةً:” انظروا للأعالي, لا تزال عشتار تلمع كعادتها تزونا أوائل الصبح و المساء, تتفقد أحوال عشّاقها و تمرّ بيدها السّحرية على أشجار الصنوبر الخضراء. زينيها يا عشتار, زيني أشجار الصنوبر في بلادي يا عشتار!” سكتتْ الأسطورة و غفتْ على ضفاف دجلة و الفرات علّها تستفيق ثانية عندما تنتهي الحرب من أرض الجمال.