الإثنين , ديسمبر 23 2024

محاولات في اغتيال النور

12243536_1045560015477558_2108733267496091214_n

الكاتبة: سيناء دباغ،

جريدة الاهرام الكندى

في مساء 13 من نوفمبر لعام 2015 لبس (برج إيفل) رداءه الأسود حداداً على 129 شمعة انطفأت في مدينته, وفي هذا التاريخ دخل “رجال الظلام” مدينة النور (باريس) ملتفين بأحزمة الموت وحاملين في أيديهم أسلحة القتل و في صدورهم حقداً أسود بقوة آلاف القنابل, ليغتالوا أضواء باريس, و يوقفوا عذوبة موسيقاها و يُصمتوا صخب شوارعها ويشلّوا حركة مقاهيها! “فجنود الظلام” قد ألّفوا مجلدات ضخمة من المحرمات مُحلّلين فيه اغتيال النور والحب و الفرح والأدب والفن وكلّ جمال خلقه الله في كوننا الفسيح, كما أدرجوا الانسانية جمعاء على قائمتهم السّوداء ليصبح بطلهم ورمزهم “جون الجهاديّ” نَاحِرُأعناق البشر.
في يوم الجمعة في 13 من نوفمبر لعام 2015 – كغيره من الأيام السّوداء في تاريخنا البشريّ- وقف الانسان أمام وحشيّة الانسان متوجسّاً و خائفاً و متسائلاً: من هؤلاء؟ فحتّى وحوش الفلاة تصطاد الفرائس استجابةً لغريزة البقاء لا كرهاً بالضحية. من هؤلاء؟ تنظيمات إرهابية, دواعش, مجموعات راديكالية, أم خلايا نائمة استيقظت من سُباتها لتنشررعبَ كوابيسها بيننا؟ ما نفع المسميات! فهم ليسوا إلّا جماعاتٍ بعقولٍ مغسولةٍ, وقلوبٍ ميتةٍ, وأرواحٍ ضائعةٍ, و حرفيّةٍّ عاليةٍ في صناعة الموت والدمار و الفناء.
إلى أيّ عصر ينتمي “رجال الظلام”؟ لا لا ينتمون إلى عصور ما قبل التاريخ, ففي إحدى حقبها نشأت الحضارات الأولى على ضفاف الأنهار في مصر و العراق- بلاد ما بين النهرين- و الهند و الصين. و تمّابتكارأدواتٍ لزراعةِ الأرضِ وجني المحاصيل ، و صناعة الفخار ، وصناعة النسيج ، واختراع الكتابة و الأساطير الأولى.”فرجال الظلام” لا ينتمون لأيّ عصر, فهم مارقون على التاريخ, كارهين للحضارة في أيّ عصر أو مكان أو زمان لأنّها ترعبهم وتقف ضد عقيدتهم في الرجعية و التخلف, فتراهم يدمرون إرثنا الانسانيّ في كلّ مكان يستطيعون الوصول إليه, و يهدّون تماثيلاً عمّرت لآلاف السنين لتشهد على قدرة الانسان و تفوقه وإبداعه, لأنها – حسب ما يتوهمون- مخالفةًلقوانينهم و تختلف مع أفكارهم.
أما نحن البشر فنحترم الاختلاف و نرى في تنوّع أفكارنا وعقائدنا وعاداتنا ولغاتنا موزاييك إنسانيّ يُضفي بروعته على عوالمنا, و فسيفساء جميلة تجعل كوكبنا أكثر تشويقاً و متعةً. لكن الاختلاف عدوّ لدود “لرجال الظلام”.ولأنّ المزاييك فنٌّ و إبداع, و الفنّ من المحرمات في أدبياتهم و كتبهم, فقد أحالوه إلى قسم التراجيديا السّوداء و اغتالوه حقداً و جهلاً. ولأنّ النور معرفةٌ و بصرٌ و بصيرةٌ, حاولوا اغتياله في إحدى مساءات باريس الحزينة…و عندما أطفأ (برج إيفل) ضوءه في مدينة النور… عندها وقف العالم كلّه متضامناً ليتوهج بأنواره فأشعل (CN Tower ) في تورنتو- كندا أضواءه ووقف إلى جانبه (دار الأوبرا) في أسترليا, و تحلّى(Auckland Museum) في نيوزلاندا بألوان العلم الفرنسي وحذا حذوه(OrientalPearl TV Tower) في الصين, و (The Mexican Senate) في المكسيك, و (The High Roller at The LINQ Promenade) في لاس فيجاس, و (Taipei 101 Building) في تايوان (Brandenburg Gate), في برلين… و تطول القائمة.كما تجمّع الناس في ساحة “Trafalgar” في لندن بأضواء هواتفهم الخليوية…و أُشعلت الشموع في معظم ساحات العالم الأخرى, لقد تعاطفتْ كلّ الدول في العالم مع باريس لأنّها تعرف أنّ شمعةً واحدةً وبصيصَ ضوءٍ صغيرٍ كافٍ لاغتيال عتمة”جنود الظلام”.

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …