الثلاثاء , نوفمبر 19 2024
شفيق بطرس
شفيق بطرس

ذكريات تدفعنا للأفضل


كان الحر غير عادى والهواء يقف فى حلق السماء ولا يتحرك ، كآبة غامضة وضيق لا مبرر له، بالرغم من ان الجو كان صحواً والسماء صافية زرقاء ولكن نوع من التوجُس والخوف كان يطبق على أنفاسى، هذا ما أتذكره فى صباح 5 يونيه 1967.

و كنت وقتها ابن ال17 ربيعاً ، كنت يومها على الجسر المطل على الترعة الغربية والتى كانت تحتضن الغيطان وكان مكانى المفضل تحت شجرة الجميز العجوز وقد صنعت لنفسى مقعداً من الحجارة وكأنه ملازى أو صومعتى التى أتمتع بالإنعزال فيها وحيداً فى الصباح الباكر أمارس هوايتى فى القراءة وصيد السمك، كانت الساعه تقترب من التاسعة صباحاً وجلست مكتئبا ، وكان الكون من حولى صامتاً وكأنه يختبىء من شىء مزعج أوهجمة مارد مخيف، قد كتم على أنفاس مصر كلها ، ومَرقت من فوق رأسى وعلى ارتفاع منخفض واضح طائرات حربية مخيفة وصوتها غريب أحمق وكأنه كرابيج تلسع ظهر مصر الطاهرة

والذى لفت انتباهى أن هذه الطائرات المرعبة متجهة من الشمال الى الجنوب، قلت فى نفسى ياربى ماهذا؟ معقول دى طائرات العدو الإسرائيلى؟ ولماذا هنا فى قلب الصعيد؟ وكيف فلتت من دفاعاتنا القوية؟ أين الظافر والقاهر؟ صواريخ عبد الناصر التى شاهدناها كلنا فى العروض العسكرية ؟ أين أسود المشير عبد الحكيم عامر ابن بلدنا وموضع فخرها والذى نشر جيوشه من الشام الى اليمن، أين كل هؤلاء كيف فلت الصهاينة الأوغاد من كل هذه البروج الحصينة؟؟.

تذكرت يد ابن عمى الأكبر القوية عندما صافحنا عند وداعنا له وهو فى طريقه للقاهرة بزيه العسكرى مستقلا القطار وقد تعلقت يده فى الهواء يلوح بالوداع وكانت آخر شىء رأيته فى الأفق المُلبد بغبار عجلات القطار الذى أسرع بالأبطال أبناء بلدتنا من المجندين والرديف وغادر المحطه ولم تفارق هذه الصورة مخيلتى

تذكرت كل هذا بمجرد رؤيتى للطائرات الحربية المخيفة وتركت محرابى ومكانى المفضل على شاطىء الترعه الصغيرة، وانقبض قلبى ورجعت للمنزل أفتح المذياع لأستمع الى صوت العرب، وإنطلق صوت أحمد سعيد، (بشرى ياعرب) وبدأنا نحصى عدد طائرات العدو المتساقطة وبدأنا نقفز فرحا ونبتهج بالنصر الساحق لجيشنا.

وبعد ساعات قال لى أبى ارجع لقصة كليوباتره وإقرأ أنباء النصر المزعوم وكذب أبواقها للشعب الجاهل بكل شىْ ، التاريخ قد أعاد نفسه ياولدى، إنه النصر الكاذب، لقد انهزمنا وإنكسرنا، ومرت الشهور حزينة ولم يحضر (البطل الشهيد)، وعاد لنا باقى شباب العائلة المجندين وقتها بعد الإنسحاب المُهين من سيناء وقصوا علينا فظائع وهول ما حدث لهم فى جبهة وأرض مفتوحة مسطحة بلا غطاء جوى يحميها ، انه شهر يونيه ولكل من عاش فى ذاك الجيل ذكريات حزينة مؤلمة لن تضيع لكنها تدفعنا لحب وعشق تراب هذا الوطن الغالى.

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

من يعيد وضع عتبات أبواب بيوتنا ؟!

كمال زاخر الثلاثاء ١٩ نوفمبر ٢٠٢٤ حرص ابى القادم من عمق الصعيد على ان يضع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.